لبنى الخميس
في زمن تضج به صفحات الصحف.. وفضاء تويتر.. ومجتمع الواتس آب بعشرات بل مئات الأخبار السلبية، والأفكار النمطية المكررة عن المجتمع والشباب، متناولة انغماسه في بحور الكسل، وكل ما يجره من أمواج روتين واتّكالية. ووسط بقعة سوداء داكنة تعيشها المنطقة من صراعات وحروب خلفت شباباً محبطاً ونفوساً مهزومة، نلمح بين حين وآخر ومضة شهاب بعيد، يثبت لنا أن السماء لازلت بخير، شاسعة لتحتوي صنوفا مختلفة من الدهشة والضوء. هذا ما لمسته حينما زرت الاسبوع الماضي معرضا في قلب الدرعية القديمة بعنوان «طلعة فنية» وهو عبارة عن تجمع لكافة المشاريع التجارية الصغيرة أو المتوسطة، لتعرض أعمالها ومنتجاتها، في مناخ شبابي مدهش وفضاء مطرز بالطموح والإيجابية.
أكثر ما لفت نظري هو المرحلة العمرية لبعض الأفراد سواء من المنظمين أو المشاركين في المعرض، والتي شملت طلاب مدارس وجامعات من البنات والشباب، شمروا عن سواعدهم، وارتدوا زي الهمة والعمل، وانطلقوا يبيعون ويفاوضون، ويصنعون منتجاتهم بأيديهم للتتذوق معها طعم الإرادة ونكهة العزيمة والتصميم، ليرتفع رأسك تلقائياً ببنات وشباب وطنك.
الجدير بالذكر فعلاً هو التنوع الشديد في المنتجات المعروضة وعامل الابتكار الذي ميّز العديد منها، ابتداء بالعبايات والعطور، وصولاً للمشروبات والأطعمة، وانتهاء بالمبادرات التطوعية الإنسانية، بالإضافة إلى بعض التجارب الفنية والأفكار الإبداعية، فضمن شق الطعام، ستجد شاب سعودي يقدم لك أزكى أنواع القهوة المحضرة أمام الجمهور بطريقة ابتكارية ملهمة رغم بساطتها، ما دفع الجمهور للازدحام أمام ركنه لطلب كوب قهوة داكن، أو تصوير مراحل تحضيره، وفي مقابل محل القهوة تفوح رائحة الكروسان الفرنسي الطازج بأنواعه وأحجامه المختلفة تشرف على مراحل إعداده فتيات سعوديات أتقن تقديمه بنكهة فاخرة تنافس مخابز ومقاهي باريس.
كما لمعت فكرة «سموثي» وهو خليط صحي من الفواكة المتنوعة المقطعة والمحضرة أمامك، مع بعض الإضافات الخاصة، صنع بإيدي فتيات سعوديات لا تتجاوز أعمارهن العشرين يقدن مشاريعهن التجارية بتمكن واقتدار.
ولعل درة تاج الأفكار المشاركة، هي مبادرة «شجرة وطن» والتي انطلقت ضمن أعمال جمعية (حياتنا) التطوعية، وهي عبارة عن مبارة إنسانية رقيقة تمكنك من كتابة بطاقة تعبر فيها لجنود الوطن عن شكرك وتقديرك لما يقومون به من تضحيات نبيلة ومواقف شامخة جسدت المعنى الحقيقي لحب الوطن، ثم تعلقها على شجرة أسموها «شجرة وطن» قبل أن يتم جمعها وإرسالها للجنود المرابطين لحماية وطننا. يذكر أن عدد البطاقات خلال يومين وصلت ألفين بطاقة ما يظهر حجم الإقبال والرغبة العارمة للتعبير عن ما تختلجه النفس من مشاعر عز وفخر وامتنان بجنودنا البواسل.
أدعو كل من يتهم الشباب السعودي بالكسل والتقاعس والاتّكالية ليزور المعرض ويأخذ جولة في أركانه وأزقته، ليرى بعنيه قوة الإدارة والتصميم والعمل الراقي المتقن، الذي عكس همم شامخة لشباب طموح، أدرك أن البدايات الصغيرة تقود إلى انتصارات كبيرة، وأن الحياة ليست مسيرة بحث مضنية للبحث عما هو آمن وسهل بل مغامرة مدهشة لتحقيق إنجازات عظيمة بالرغم من وعورة الطريق.