إبراهيم عبدالله العمار
ذهب ريكي جيرفيس، الفكاهي البريطاني الشهير، ليزور الفكاهي الأمريكي غاري شاندلينغ، والذي تأثر به جيرفيس في شبابه وظل معجباً به. كان اللقاء مصوراً، لأن جيرفيس أراد صُنع سلسلة يحاور فيها رواد الفكاهة. رن الجرس واستقبله شاندلينغ. أثناء حوارهما حصل شيء غريب: قام صاحب البيت شاندلينغ للمطبخ فأخذ كوزاً وصب لنفسه قهوة ثم عاد وجلس، والضيف يراه. استنكر جيرفيس هذا وقال: «لماذا لم تصب لي بعض قهوتك؟ يا لسوء الضيافة!»
طالما أضحكني هذا الموقف المحرج، والذي من شدة إحراجه جعل جيرفيس يلغي فكرة السلسلة كلها! وقارِن هذا بكرم العرب، فهل تتخيل زيارة رجل تحادثه فيقوم يصب (لنفسه فقط) فنجان قهوة ويرجع يكلمك بكل هدوء؟ أمر صعب التخيل، حتى اللئيم لا يفعله! للعرب خصال رائعة، افتخروا بها في الجاهلية، وجاء الإسلام فأقرَّ الكرم وتضييف الضيف.
غير أن الخصال الطيبة – ومنها كرم شعوبنا العربية – يمكن أن تتحول لشيء غير مرغوب، وهذه نراها في عصرنا الذي امتلأ بالسمنة، فعندما تريد إنقاص وزنك وتتبع حمية ترى المغريات هنا وهناك، وستكبح هواك إذا رأيتها، لكن ماذا تفعل لو كنتَ عند معارف أو في مناسبة وأتى طعام؟ موقف محرج. إذا أخبرت القريب أو الصديق أنك تتبع حمية فالمفترض أن يتفهّم، لكن الكثير لا يُقدّر هذا، ويلح عليك أن تأكل «هذه المرة فقط»، أو يقول: «لقمة لن تضرك». بلى، ستضرك! لقمة واحدة قد تَتبعها أخرى ثم ثالثة، ثم وأنت عائد للمنزل تمر بمطعم وتقول «خربانة خربانة!»، مفعول التداعي، كقطع الدومينو، تسقط واحدة على أخرى ثم أخرى وهكذا.
هنا .. تنقلب الخصلة الحسنة سيئة. هذه المواقف نرى فيها سوء فهم الناس للكرم والبر، فأنت تحاول أن تكون كريماً إذا أصررت أن يأكل فلان، لكن صحته أهم، فلِمَ الإصرار أن يأكل وهو يرغب أن يكون أنحف وأكثر صحة؟ ليس هذا كرماً فعلاً بل إضرار (غير مقصود).
مواقف أخرى يتصرف فيها الناس بحسن خلقهم وبِرِّهم لكنها تضر، وخذ هذا المثال: تخيل أنّ الوالد (أو الوالدة/ الجدة/ إلخ) احتاج شيئاً مثل كوب ماء أو كتاب أو جوال وأراد القيام ليمشي له، ماذا تفعل؟ لو كنتَ مثل معظم الناس فستطلب منه أن يجلس وتقول: «دعني أنا أحضر لك ما تريد»، وإذا أصرَّ فربما تحلف وتقول: «حلفت بالله ما تقوم!». ورغم أن هذا من البر إلا أنه يضرهم، فالجلوس ضار بالجسم، بل شديد الضرر، وهو فعلاً وباء في عصرنا ويسبب أمراضاً منها ضعف العضلات والعظام والسمنة، لدرجة أن دراسة وجدت أن من يجلسون ساعات طويلة كل يوم أقرب لسرطان الرئة من غيرهم حتى لو لم يدخنوا! أمراض القلب والسكري (والكثير غيرها) مرتبطة بكثرة الجلوس، وقد وجدت دراسات أنه كلما زادت ساعات الجلوس زادت احتمالات الوفاة المبكرة. ضع هذا في الاعتبار إذا أراد شخص كبير السن أو عزيز أن يقوم، قاوم عادتك واتركه يقوم ويمشي ويتحرك لأنها أفضل لصحته.
هذان مبدآن نقدر أن نطبقهما لننفع أحبابنا فعلاً: 1) من أراد إنقاص وزنه أو الأكل الصحي فلا تعرض عليه الأكل أو تلحّ، هذا أصحّ له. (2) لا تصرّ أن يجلس الشخص لتقوم أنت وتخدمه، بل دعه يمشي ويتحرك، فهي أقوى لجسمه وأطول لعمره بإذن الله.
غير ذلك، هل تعرف مواقف أخرى تتحول فيها الخصال الطيبة إلى ضارة؟