د. محمد عبدالله العوين
تكررت حوادث اعتداء ستة شبان أغرار مراهقين، ينتمون إلى أسرة واحدة، على قريب لهم ينتمي إلى الأسرة نفسها، والفارق بينهم أن المعتدى عليه أحد رجال الأمن. وليست حادثة القصيم التي وقعت قبل يومين، وأثارت استهجان الناس واستنكارهم، الوحيدة في هذا الطريق الدموي الإجرامي؛ فقد سبقتها حادثة شنيعة، وقعت في آخر يوم من شهر رمضان 1436هـ؛ إذ أقدم الغلام عبد الله فهد الرشيد الذي لم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاماً على قتل خاله العقيد راشد إبراهيم الصفيان الذي رعاه واحتضنه وأسكنه مع أخته في شقة خاصة، لكنه لم يقدر تلك الرعاية ولا ذلك الاهتمام به وبوالدته التي عق فيها بقتل أخيها وهو في منزلة والد الشاب المراهق الذي اختطف عقله الفكر الإرهابي من خلال تواصله عبر مواقع الإرهاب الداعشي في الشبكة العنكبوتية. ولم تمض ثلاثة أشهر على هذه الفاجعة المؤلمة حتى أقدم في يوم عيد الأضحى المبارك من العام نفسه 1436هـ شابان مراهقان، هما عبدالعزيز راضي العنزي (21 عاماً) وسعد راضي العنزي (18 عاماً)، على استدراج ابن عمهما مدوس العنزي الذي يعمل في قطاع الأمن، بخديعة وغدر إلى خارج محافظة الشملي التابعة لمدينة حائل، ثم أطلقا عليه النار فأردياه قتيلاً، على الرغم من توسله لهما واستجدائه لهما وتذكيره لابن عمه سعد بحقوق القرابة وصلة الرحم «تكفى ولد عمك يا سعد»، ولكن دفع الأفكار الإرهابية وما حشي به عقلهما الباطني من أحكام ضالة، زينها لهما منظرو الفكر الداعشي الأسود، أعمى بصيرتهما عن الحق، وأحال الإقدام على ارتكاب الجريمة جهاداً في سبيل الله. وليس أبلغ على تمكن الغواية والجهل من هذين المراهقين المنحرفين من أن عبد العزيز كان يستفتي مرشديه الدواعش في جواز استخدام سلاح والده دون علمه وإذنه لقتل ابن عمه، وهل يلحقه ذنب من جراء ذلك؟! وليس بعيداً عن ذلك حيرة ثلة من مجرمي الدواعش المراهقين الذين تورعوا عن ارتكاب إثم تصوير رجل الأمن بعد أن اختطفوه من نقطة تفتيش وأحرقوه.
وتأتي حادثة القصيم البشعة التي اعتمدت كسابقاتها على الغدر واللؤم والتحايل لتسجل نوع الجريمة نفسها وأسلوبها وغايتها التي تريد تحقيقها؛ فالقتلة الستة شبان صغار، ينتمون إلى عائلة واحدة، ثلاثة منهم إخوة أشقاء، هم: نايل مسلم الرشيدي 18 عاماً ومعتز 24 عاماً ووائل 28 عاماً. وأخوان أشقاء هما سامي سالم الشمري 24 عاماً وزاهر 32 عاماً. وللخمسة ابن عم هو إبراهيم خليف الشمري 19 عاماً. وقد أقدموا على استدراج ابن عمهم المغدور رجل الأمن بدر حمدي الرشيدي إلى خارج المدينة بين بريدة وعنيزة، وكتفوه، وتنادوا بعبارات أقرب إلى الصبيانية، من مثل «يا عيال.. يا عيال اضربوه»؛ ما يدل على أن انتماءهم إلى الفكر الداعشي طارئ وهش، وأن المتحدث فيهم الذي ألقى كلمة الجريمة قد استظهرها وحضرها واجتهد على أن يبدو بارا بالمبادئ الداعشية ومبايعاً - كما زعم - لخليفته الموهوم الضال المسمى بأبي بكر البغدادي، بينما لا يدري عنه شيئاً بغداديه المرعوب المتنقل من مخبأ إلى آخر بين العراق وسوريا.
لقد اجتمع هؤلاء الغلمان الضالون في كل الجرائم المذكورة آنفاً على تنفيذ جريمة متشابهة من حيث نوع عمل المستهدف بالقتل، وهو أنه من رجال الأمن، ومن حيث إن القتلة من أقرباء المقتول، وإن الجريمة تتم بطريق الحيلة والاستدراج، وإن المجرمين في الغالب صغار في أسنانهم، أقرب إلى سن المراهقة.
ولم يكن عداء الفكر التكفيري الداعشي لرجال الأمن جديداً ولا غريباً؛ فهم يدركون أن رجال الأمن الأبطال هم من لاحقوهم وطاردوهم في مخابئهم وأوكارهم حتى قضوا على مئات منهم، وفر شذاذ آخرون إلى مناطق الصراع والفوضى في اليمن والعراق وسوريا.
تلقى هؤلاء الأغرار وصايا تنظيم داعش بتطبيق مفهوم الولاء والبراء من الأهل والعشيرة والأقارب بتعسف تفسير هذا المفهوم ولَي عنق النصوص بحيث تصب في الغاية التي ترمي إليها الوصايا الداعشية، لا التنكر للأهل والأقرباء الذين لا ينتمون إلى السلك العسكري، لا، بل إن المقصودين بالتبرؤ منهم هم من يعملون في قطاع الأمن. يقول من انخدعوا بوصاياه وضلوا: «تبرؤوا من أقرب الناس إليكم، فذلك هو المعروف والأقربون أولى به. تبرأ من والدك وأخيك وعمك، فأعظم المعروف الولاء والبراء، وإن كان أحدهم يعمل في السلك العسكري فتبرأ منه أولاً، واقتله ثانياً، وحرض من تعرف على البراء والقتل». وتابع يقول «إن رأيت أحداً يود النفير قل له لا تنفر، اقتل جنديين أولاً ثم انضم إلى صفوف التنظيم».
ومن هنا، واتباعاً لوصايا أولئك المنحرفين المحرفين لمفهومات النصوص، ينساق هؤلاء الأغرار إلى ارتكاب جرائم القتل، زاعمين أنهم يجاهدون في سبيل الله، بينما يطمح زعماء التنظيم من خلال اندفاع هؤلاء الجهلة على ارتكاب الجرائم إلى إحداث الفوضى والاضطراب في مجتمعنا، ولكنهم في كل مرة يصابون بخيبة الأمل المتوقعة، ويُقبض على القتلة، ويُقتص منهم.
ويطالب كثيرون بعدم الإبطاء في محاكمة من يُقبض عليه منهم، وسرعة تنفيذ الأحكام الشرعية فيهم بالطريقة التي ارتكبوا بها جرائمهم، وفي الأمكنة نفسها؛ ليكونوا عبرة وعظة لمراهقي الدواعش وأغرارهم.