د. محمد عبدالله العوين
لا نريد أن نقف طويلا عند كل الكلام الذي قيل أو يقال عن ملكية «القدس العربي» في مرحلتها الأولى، ومن هم مؤسسوها وممولوها بأسماء حقيقية أو وهمية ولا عن غاياتها وأهدافها التي أسست من أجلها؛ لأن ذلك سينتهي بنا إلى أن نصل إلى ختام هذا الجزء من المقالة دون أن نقدم كل التفاصيل.
كما أننا لا نريد أن نصل إلى حقيقة «الثروة» التي حققها عبد الباري؛ ليس من ريع كتبه؛ لا بل ربما من مصادر أخرى يسرت له تملك قصر فاخر في لندن على نهر التايمز تعجب من فخامته أحد مقدمي البرامج الفضائية، وعمارات للإيجار ورصيد مالي ضخم؛ لأن تتبع مصادر تلك الثروة سيأخذ منا مسارا آخر نحن في غنى عن الدخول في تفاصيله.
لا نريد أن نلاحق المعلومات الكثيفة المتواترة حول تلك الأموال التي ينفي عبد الباري عطوان حصوله على شيء منها نفيا قاطعا، وله الحق في أن ينفي أو يثبت، فليس لأي منا دلالة عليه أن يسأله : من أين لك هذا ؟ أو أن يحسده على ما أفاض الله به عليه من نعمة؛ لأن الهدف الأبعد من كل ذلك محاولة فهم غايات الكاتب ودافعه وماذا يريد؛ سواء كانت تلك الغايات والدوافع نابعة من ذاته منبثقة من عمق تفكيره، صادرة من صدق إحساسه وعمق إيمانه بما يذهب إليه، أم أنه لا يعبر عن حقيقة ما يؤمن به قدر تعبيره عمن يسيره ويدفعه إلى التعبير عن رؤاه الفكرية والسياسية؛ سواء كان ذلك الذي يدفعه إلى القول سياسيون أو تنظيمات أو دول.
والحق الذي نسعى إلى أن نصل إليه بعد قراءة معمقة وطويلة لمسيرة عبد الباري وما كتبه من مقالات في القدس العربي أو في رأي اليوم، وما ألفه من كتب عن القاعدة أو ما بعدها « الجيل الثاني أو عن داعش، وما أجري معه من مقابلات صحافية أو حوارات على الشاشات العربية؛ يتبيّن لنا بجلاء أنه يجمع بين السوأتين؛ الانقياد إلى فهم فج ناقص ملتبس عن المملكة تأريخا ونظاما سياسيا وثقافة ومجتمعا مشوب بمواقف ذاتية أنتجت « كراهية « للدولة وللمجتمع السعودي لا مسوغ لها إلا بمحرضات تلك الدوافع المتداخلة المتعاضدة التي شكلت بنية نفسية جاهزة للاستقطاب والتوظيف عند من يقرأ الأعماق ويستطيع الدخول إلى فهم ما بين الكلمات المكتوبة من رسائل؛ سواء كان ذلك عرضا من الكاتب أو عرضا عليه!
وهذا ما يفسر حقيقة الاندفاع الشديد للهجوم السافر على مواقف المملكة ومبادراتها وما تتخذه من قرارات على المستويات الدولية أو الإقليمية أو العربية في كل الرؤى المضمنة بذكاء أو استذكاء باسم التحليل السياسي؛ ليمرر ما يريد تمريره من أفكار يزعم حياديتها؛ فيخرج في ختام مقاله أو حواره إلى التقليل من خبرة وحكمة وقوة المملكة في مواقفها السياسية والعسكرية والاقتصادية، ويسعى جاهدا إلى إلصاق ما تروجه بعض وسائل الإعلام الغربية اليمينية المتطرفة من تهم إلصاق التطرف بثقافة المجتمع السعودي، ويختطف للتدليل على تلك الافتراءات شواهد متنافرة من هنا وهناك كأحداث وأشخاص لا تقتصر على بيئتنا وثقافتنا؛ بل هي سمة من سمات هذا العصر في المحيط العربي والإسلامي؛ إن لم تكن في العالم كله.
وللتدليل على أن عطوان يسير في هوى ما وقر في نفسه من رؤية مشوهة وغير ناضجة عن بلادنا هيأته للاستقطاب والتوظيف والاندفاع الأعمى للانقياد إلى تنفيذ أجندات من يدفع له ويدفعه إلى التعبير إنابة عنه من أفراد أو تنظيمات أو دول؛ أنه لا يكاد يختلف مع ما يتوجه إليه منذ أن أنشأ صحيفة القدس العربي، أو منذ أن أنشئت له وأدارها رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة كاسم أوحد في الصحيفة وإلى مرحلة رأي اليوم التي يعبر من خلالها عن اتجاهه المنحاز ضد المملكة وفي ما ألفه من كتب تتخذ الموقف المنحاز نفسه؛ وإلا هل يمكن أن يتبنى مثل عبد الباري عطوان فكر القاعدة أو داعش ؟! وهو الذي لم يعرف عنه أبدا وطوال مسيرته الإعلامية قبل أن يستقطب أن له توجها دينيا متطرفا أو ميلا إلى تنظيمات دينية متطرفة؟!
من يصدق أن هذا الصحفي الأقرب إلى أن يصنف في خانة الكتاب الليبراليين القوميين يمجد أسامة بن لادن ويفتخر بأنه التقى به في جبال تورا بورا، ثم يكتب عنه لاحقا عشرات المقالات ويشيد به في كل المقابلات الصحفية والتلفزيونية، ولا يكتفي بذلك؛ بل يصدر عنه كتابين؛ الأول باسم « القاعدة : التنظيم السري « و» ما بعد بن لادن، الجيل الثاني « وفي الكتابين كليهما لا يذهب إلى التأريخ النزيه بمقدار ما يميل إلى الإشادة ومديح فكر القاعدة الإرهابي وشخصية مؤسسها، وينغمس في تطرفه العدائي للمنطقة العربية كلها؛ لا للمملكة فحسب؛ فيذهب إلى أبعد مما فعل مع القاعدة، فيركب موجة إثارة الرعب والتكسب بالمخاوف؛ فيكتب كتابه الأخير عن أخطر تنظيم إرهابي، هو الثمرة المرة لتصعيد فكر القاعدة إلى المستوى الأعلى من توظيف النصوص الدينية توظيفا خاطئا والسعي إلى تدمير الخريطة العربية وتفتيها وإشعال الحرائق فيها؛ فيكتب عن داعش كتابه «الدولة الإسلامية: الجذور، التوحش، المستقبل» وهو هنا لا يختفي خلف الستار؛ بل يصرح باقتناعه التام بالفكر الداعشي وميله نحوه؛ فلا يطلق عليه الاسم المتعارف اختصارا بـ «داعش» بل ينعته بـ «الدولة الإسلامية» ويصرح بأن «الدولة الإسلامية مستوفية لشروط الدولة المتعارف عليها دوليا» ويغالط التاريخ؛ بل يزوره عن قصد؛ فلا يذكر النشأة الحقيقية للتنظيم، ولا يشير ولو من باب الاحتمال إلى من وراءه، ولا يتطرق إلى جرائمه وما اقترفه في حقوق الآمنين من كل الديانات والطوائف؛ بل يرى أن « توحش « من سماها بـ «الدولة» موجود في كل الحضارات والدول.
هذا هو عبد الباري عطوان الذي يريد لداعش أن تلتهم لا السعودية فحسب؛ بل العالم العربي كله، وتشتعل الحرائق في دول المنطقة؛ كتنظيم استخباراتي تسيل على يديه الدماء أنهارا، ويتم من خلاله تدمير المنطقة العربية كلها كسوريا والعراق واليمن وليبيا!
فأي ضمير متوحش رخيص ينطوي عليه هذا الذي يسمى عبد الباري عطوان؟!