د.خالد بن صالح المنيف
يقول مصطفى محمود: «السعادة ليست حظّا، وإنما هي قدرة، وأبواب السعادة لا تفتح إلا من الداخل.. من داخل نفسك.. السعادة تجيئك من الطريقة التي تنظر بها إلى الدنيا، ومن الطريقة التي تسلك بها سبيلك» ولاتزال الأيام تثبت أن السعادة والشقاء صناعة داخلية، بل هي أقرب ماتكون اختيار صرف للإنسان، إن أراد السعادة وسعى لها سعيها انضم لكوكبة السعداء، ومن أراد أن يكون شقياً ونحى منحى الأشقياء وسار على طريقهم فجزماً سيضيف لعددهم واحد! فكلا الأمرين طوع إرادتك وكلا الطريقين رهن اختيارك، وثمة حواجز وعقبات تحول بينا الإنسان والسعادة، وهي قابلة للنسف والقفز عليها؛ فدونك بعض العوائق فربما حال أحدها بينك وبين سعادتك فاعقد العزم مستعيناً بالله على تجاوزه وصدقني أنت لها:
العائق الأول: الحسد ومد النظر وعقد المقارنات؛ فهيهات لحاسد أو ماد نظر للآخرين أن يسعد فقد أشعل النيران بيده في قلبه وأعمى عينيه بطوع إرادته عن تثمين ما وهب فضلاً عن الاستمتاع به، ولم يعرف لحاسد راحة بال ولا طيب منام ولا هناء عيش، قلب مثقل، وروح مكبلة، جعلته يأكل في نفسه فكانت النتيجة أن زهُد حظه في السعادة، فمع الحسد حسرات نفس ليس لها انتهاء؛ تحرر من الحسد وانسف أعظم عائق للسعادة.
العائق الثاني: الاستسلام للمشكلات ورفع الراية البيضاء تجاه الوضع السيئ؛ فالعقلية المستسلمة تعتقد أن الشقاء نصيبها والوجع قٌدرها والتعاسة حظها من الدنيا؛ فلا تجد صاحب تلك العقلية ساعياً لتغير أوضاعه ولا متحركاً لتحسين أحواله، ونتيجة هذا هم دائم وضيق مستمر وابتسامة مهاجرة! إن أردت السعادة فقم وانهض وتحرك وأبذل جهداً وقدم حلا وحرك قدماً وأبشر بالخير.
العائق الثالث: الاعتقاد بأن الحاضر التعيس سببه ماض كئيب باق لايزول، مهارة متقدمة لتفكيك الفرح وأضعاف النفس، وهذا الارتباط المخيف بالماضي يعطل الحياة ويضعف القدرات وينسف الفرص، ويجعل من الحياة رواية غم وشقاء فصولها لا تنتهي وآثارها لا تنقضي، وهؤلاء ولو أمطرت السحائب وأزهرت الورود وتعطرت الأجواء وغنت البلابل فخيارهم هو الشقاء ولا غيره! لأنهم يرونه مرتبط بذكريات وأحداث لا يمكن التصرف حيالها بشيء! وهذا صحيح من جانب كوننا لا نستطيع مد اليد للماضي والتعديل في أحداثه، ولكن الخطأ يكمن في اعتقاد ديمومة الإفرازات وسجن النفس في أسرها! وماذا يعني أن أباك قد جانبه الصواب في أسلوب التربية، وماذا يعني عدم دراستك لتخصص تحبه، وماذا يعني خسارة مالية، هل تتوقف الحياة بعدها؟.. لا تتوقف حطم الماضي وأبذر الفرح والتفاؤل في يومك يطيب لك الغد.
العائق الرابع: الاتكاء على الأحداث وربط السعادة بها، ولا شك أن للبيئة والعوامل المحيطة بكل تفاصيلها دور وأثر على مستوى السعادة لكن البيئة والظروف لا تصنعان السعادة، والدليل على هذا أن هناك الآلاف ممن ملك المال والوظيفة والصور والجاه ومع هذا فهم في شقاء لا يعلمه إلا الله، والعكس صحيح، السعادة تصنع في عقلك وتظل اختيار لك، وتأكد أنه لن يتغير شيء في حياتك ولن تنال من السعادة حظا إلا عندما تغير أفكارك تجاه الحياة ونفسك!
العائق الخامس: ترك المشاكل معلقة دون حل، والهروب منها، إن السعادة فواجه مشكالك وحاصر أزماتك وأنه خلافاتك ولا تهرب منها؛ فتضخم المشكلات وتجذر الأزمات لاشك أنه منغص هائل للسعادة وجالب عظيم للهم، فلا تدع كرة الثلج تكبر وتتضخم ولا تترك المرجل يغلي ويعمل فيك فتتقلص سعادتك ويتعاظم غيظك.
العائق السادس: تنزه عن المعارك الخسيسة، وترفع عن منازلة الحمقى، وتسام عن الوقوف عند كل محطة، وتجنب استيراد المشاكل لحياتك عن طريق الانخراط في نزاعات وغزوات لا ناقة لك ولا مجال، فمن التعاسة أن يكون طبع الإنسان صنع المشاكل والتحرش بالآخرين واستعدائهم! فمن السعادة أن لا تورط نفسك في المشاكل؛ فاحرص على مراقبة تصرفاتك ومراجعة سلوكياتك.
العائق السابع: أن تنصب نفسك مديراً للكرة الأرضية وقيّماً على مشاكل بني آدم، وصدراً حنوناً يضم كل من يعاني ويقاسي، تسهر بدلاً عنهم وتبكي نيابة منهم، تأكد أنك لن يسعفك وقت ولا جهد ولا طاقة ولا مشاعر كي تتقمص هذا الدور، بل ستجد نفسك في حالة توتر دائم وانزعاج مستمر سينال من صحتك ومن همتك ومن وقتك ومن أولوياتك ومن مشاريعك؛ فهموم البشر لا حد لها، اعمل الخير ما أمكنك ولكن لا تصهر نفسك وتذوب بأكملك في الآخرين وهمومهم.
العائق الثامن: التعلق بالمستحيل وتمني ما لا يمكن تحقيقه، وتصويب النظر على قمم لا نملك أسباب توصلنا إليها، فالقفز للمستحيل زمانيا أو مكانيا يولد الحسرات وينتج الخيبات ويؤسس لحالة تعاسة مكدرة، ولا يفهم من حديثي أنه حدٌّ من الطموح أو تكسير للهمم أبدا ! بل هي دعوة لحفظ الوقت والجهد؛ لأن بعض الأهداف إمكانية تحقيقها بحسب قوانين الحياة ونواميس الكون ضرب من الخيال.
العائق التاسع: لا تلهث خلف إرضاء القاصي والداني ومحاولة كسب إعجاب الكل ونيل استحسانهم! فأي سعادة ستنال بهذه العقلية، فكف عن هذا ولتكن غايتك رضا الله، ولا تهدر وقتك في التساؤل عما إذا كان ما أفعله قد أعجب الناس أو لا؟ افعل ما يرضي العزيز وسيرضى ضميرك وكذلك أصحاب الضمائر!.
العائق العاشر: الرتابة والروتين ووحدة البرنامج، البعض يعيش كآلة لا تجديد لا تغيير، وجبات متكررة وأشخاص لم يتغيروا وأماكن واحدة، البرمجة اليومية تشعر بالتعاسة وتصنع الفتور.
ومضة قلم
لكي تكتشف قارات جديدة يجب أن تتحمل فكرة الغياب عن الشاطئ.