د.هلال بن محمد العسكر
يوجد خلط كبير في مجتمعنا الإداري بين مفهوم القادة الإستراتيجيين والمديرين الإستراتيجيين، علماً أن المديرين مهما علت مراتبهم ومناصبهم ليسوا قادة سواء كانوا إستراتيجيين غير إستراتيجيين. القادة صنفان لا ثالث لهما؛ قادة مؤثرون، يرون أن الأفراد والمنظمات وحتى الشعوب يملكون مواهب غير مكتشفة ومصادر غير مستغلة، وبالتالي فهم يحاولون الوصول لأقصى الاحتمالات الممكنة لأتباعهم ليصلوا بهم لأبعد تفكير ممكن في استشراف المستقبل والريادية والمنافسة ومواجهة التحديات والتحولات العالمية الجديدة والنقلة النوعية المستهدفة لدوائر أعمالهم، والصنف الأخر قادة غير مؤثرين (أتباع).
القادة أنماطهم مختلفة، ولا يمكن أن نجد بينهم اثنين متشابهين، ولا أنموذجاً واحداً يمكن أن يكون أفضل من الآخر؛ كل القادة هدفهم تغيير الحالة القائمة إلى الأفضل، ولكنهم يستخدمون طرقاً وأساليب ووسائل مختلفة؛ فبعضهم يقود بأفكاره، وبعضهم يقود بلطفه وحلمه وصبره، وبعضهم يقود بعزمه وحزمه وشجاعته أمام التحديات، وبعضهم يقودون بتفانيهم في خدمة الناس ومساعدتهم وتطويرهم، والسهر على راحتهم والاهتمام بشئونهم، وآخرون يقودون بأموالهم؛ كرماً ودعماً ومساعدة وتشجيعاً ومساهمة في البناء والتطوير والتنمية.
تطوير القادة ليس أمراً سهلاً أو سريعاً؛ بل يحتاج وقتاً وتدرجاً؛ كما التدرج في بناء الأجسام، كما أن القادة لا يطورهم إلا قدراتهم الفذة، وطموحهم الكبير، وعزائمهم الشامخة، ومواهبهم المتعددة، ونموهم المتدرج مع الممارسة ومعايشة الأحداث والمعاناة والأزمات والمحن، وليس التدريب أو التعليم أو المناصب أو الشهادات أو حتى الإبداع والأفكار العظيمة. هناك العديد من برامج إعداد القادة التي يصرف عليها الملايين من الريالات ولكنها تنتهي بالفشل، نتيجة لبعض المفاهيم الخاطئة والأخطاء التي تبنى عليها تلك البرامج، وليس هناك من شك في أن العديد من المشكلات التي يعاني منها المجتمع الحديث، يمكن أن تعزى إلى ندرة وشح القيادات الحقيقية والاستثنائية (الإستراتيجية)، إذ يمكننا ملاحظة العديد من نواحي القصور لدى بعض المسؤولين في العديد من الممارسات، على الرغم من مؤهلاتهم العلمية والعملية المثيرة للإعجاب، وفي بعض الحالات، تنشأ أوجه القصور من نقص الخبرة الفنية أو العملية، مما يحول دون تطور الأفراد وتنمية قدراتهم القيادية.
نعتقد أن المفاهيم الخاطئة والأخطاء التي ترتكب في إعداد القيادات الإستراتيجية، هي أحد أسباب الفشل في تطوير قادة إستراتيجيين فاعلين ومؤثرين في المجتمع، ومن هذه المفاهيم المغلوطة والأخطاء الشائعة، الاعتقاد أن القادة يمكن إعدادهم بالتدريب، وهو اعتقاد خاطئ لأن القادة لا يعدون إلا بالتطوير، وعبر مراحل متدرجة وممارسة وتحديات حقيقية، وكذلك الاعتقاد أن كل شاغلي المراتب والمناصب والمؤهلات العليا قادة، وهذا غير صحيح ،لأن المناصب والمراتب والمؤهلات العليا لا علاقة لها البتة بمهارات القيادة، حيث يمكن أن يوجد القائد بدون مؤهلات ودون مراتب ولا مناصب، وأيضاً الاعتقاد الخاطئ أن هناك فرق كبير بين مهارات الرجل ومهارات المرأة القيادية، علماً أن المهارات القيادية لا علاقة لها بالجنس، وإنما علاقتها بالفكر وبالإنسان كإنسان وبالجدارة، وإضافة إلى ذلك الاعتقاد الخاطئ أن المديرين من ذوي المناصب والمراتب والمؤهلات العليا بإمكانهم إعداد قادة، وهو بالتأكيد اعتقاد في غير محله، لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه، فالقادة لا يمكن أن يعدهم إلا قادة، وأخير الاعتقاد أن الإنفاق على التدريب يعني إنفاقاً على تطوير القادة، وهو غير صحيح، لأن برامج تطوير القادة (طويلة الأمد) تختلف تماماً عن برامج تدريب المديرين (قصيرة الأمد). قبل الختام، نؤكد على حقيقة أنه يوجد لدينا نقص كبير جداً في القادة الإستراتيجيين، وإننا بحاجة ماسة للنظر في معالجة هذا النقص، ولعل البداية تكمن أولاً في العمل على تصحيح مفاهيمنا الخاطئة عن القادة والقيادة الإستراتيجية.
ختاماً، نتساءل أين هي إحصائيات الإنفاق على تطوير القيادات الإستراتيجية؟.. وأين هي المراكز المختصة التي تعنى بتطوير القادة الإستراتيجيين؟.. ومن هم الذي يعدون لنا القادة؟.. وأين وكيف يتم إعدادهم؟.. وأين هو برنامجنا الوطني (أنموذج) الذي بني على رؤية ورسالة وأهداف ونظام حكم وأنظمة خدمة وعمل وخطط تنمية مستدامة وغيرها من المعايير الوطنية؟.