عبدالعزيز السماري
أولاً نحمد الله على سلامة المواطن السعودي عائض القرني من حادثة محاولة الاغتيال في الفلبين، والتي فيها أكثر من مشهد، فالقرني في هيئته الخارجية يرمز إلى بعض وجوه الفكر الديني، الذي انطلقت أو انشقت منه بعض الفرق الخارجة عن النظام، ثم أصبحت مصدراً للترويج عن أفكار في منتهى العدوانية من خلال الزي الديني المحلي كالشماغ بدون عقال والثوب القصير وغيرهما..
ولهذا قد لا تفرق المجتمعات الأخرى بين الصقور والحمائم في تلك الظواهر المتجددة، وهو ما يعني أن نجوم الصحوة الدينية في المجتمع السعودي قد يُصنفون في يوم ما خلف ظواهر الإرهاب في العالم المعاصر منذ خروج ابن لادن إلى ظهور دولة الخلافة المزعومة في شمال العراق، وخصوصاً أن ثمة تشابه في الطرح الأصولي بينهم.
العامل المشترك في هذا الحراك المتعدد الاتجاهات والمتصاعد أنه يشترك في إذكاء ظاهرة المواجهة المسلحة مع الآخر، وقد لا تختلف جماعات الجهاد الإسلامي عن الصحوة الإسلامية, فكلاهما خرجوا من المرجعية نفسها، ولكن الاختلاف بينهما كان في الحسابات السياسية، وفي أشياء أخرى يصُعب شرحها في هذه العجالة.
لهذا السبب أصبح الداعية القرني برغم من اختلاف منهجه وسلمية طرحه, وتحوله إلى نجم إعلامي في المجتمع هدفاً للاغتيال، ولكن ربما جعلته هيئته السلفية متهماً برغم من ذلك، ولو ثبت العكس، وقد يكون لها تبعات على مختلف نجوم مرحلة الصحوة، والذين قد يصبحون أهدافاً للجماعات المتطرفة ضد جماعات الإسلام الجهادي وهو ما يعني وجوب اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لحمايتهم..
لعل بيت القصيد في هذا الموقف العدائي المتصاعد ضد نجوم الصحوة هو تحميلهم مسؤولية تفخيخ ظاهرة التكفير، ثم إعادة إنتاجها في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، وبعد أن نجحت في أن تجعل منه سلاحاً فتاكاً ضد الغير، والتكفير عانى منه كثير من البشر، وذهب ضحيته الملايين بسبب استخدامه في النزاعات السياسية المسلحة، ولازلنا نعاني منه الأمرين، وتحكي حوادث قتل الأقرباء والأصدقاء قصص حاضرنا ومستقبلنا المرير.
كان العقل في المجتمع أحد أهم ضحايا التكفير، فقد تم إرهابه والضغط عليه من أجل إيقافه عن التفكير خارج خطوطهم الحمراء، ويعتبر ذلك أحد وجوه الاستبداد بالرأي والمعرفة، وتأثر التفكير العلمي كثيراً بسبب تحريم الكيمياء وتكفير علماء الطبيعة في مراحل سابقة في العصور الإسلامية، ووصلنا إلى أسوأ مراحل الجهالة, بسبب ذلك الحصار غير المبرر على العقول.
ما يجعل المرء يعيد طرح هذا الموضوع كلما عادت إحدى مناسبات الاغتيال أو الإعدام بسلاح التكفير هو الشعور بأننا أمة لا مستقبل لها، فقد كتبنا مستقبلنا بحروف من دم، وأصبحنا أسرى في معاقلهم إلى أن يشاء الله أمراً آخراً، ومع ذلك لايزال هذا الفكر العدمي يحظى بالتقدير والتبجيل، بينما يعاني علماء الطبيعة ومراكز الأبحاث من التهميش.
السبب في ذلك هو تلك النزعة الماضوية في التبجيل، وفي وهم امتلاك الحقيقة، فالحقيقة أياً كانت مصدرها الماضي والكتب الصفراء واجتهادات الفقهاء والمحدثين في فترات الانقسام والنزاع الطائفي، ولو كانت تلك الحقيقة عامل الهدم في معاقل الحضارة القديمة في بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة..
ما حاولت أن أصل إليه في مقال الأسبوع الماضي..(في قضية الإهاب: هل نحن أعداء أنفسنا)، هو أنّ مختلف تيارات المجتمع مرتبطة بتلك الأصول التي تقدم التكفير على الإيمان في الحكم على الآخرين، وهو ما يجعل الحوار الاجتماعي أشبه بحوار الطرشان.
ولن تنجح قوى العقلانية والتطوير في مواجهة نزعات التكفير والماضوية إذا حاولوا أن يجادلوهم من خلال تلك الأصول، والدليل ما تشاهدونه على فضاءات الإنترنت، فنجوم الصحوة من الوعاظ والدعاء يحظون بشعبية طاغية، وربما تحولت نجوميتهم إلى أكثر من نجوم إعلامية، وأن ما تقوله هو الصحيح والحق الذي لا غبار عليه..
لكن ثمة وجه للخطورة فيما حدث لعائض القرني، وهو وصول ظاهرة العداء لأفكارنا الدينية إلى عوام الغير، وإلى اعتبار نجوم الصحوة مسؤولين عن إيقاظ الفتنة في الأماكن البعيدة مثل الفلبين، والتي تعاني منها منذ زمن غير قصير، فهل ندرك ذلك قبل فوات الأوان، والله المستعان.