د. محمد عبدالله العوين
بمبادرات المملكة العربية السعودية الريادية على كل المستويات العربية والإسلامية والدولية وباجتراح الفعل السياسي والعسكري المؤثر الذي يعيد ترتيب الأوضاع لصالح المملكة أولا ثم العرب والمسلمين ثانيا؛ تحتل بلادنا مركز الصدارة في قيادة الأمة العربية والإسلامية.
إن هذا الدور لم يكن غائبا عن قادة المملكة منذ تأسيسها في مرحلتها الثالثة على يد موحد البلاد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز وإلى اليوم على اختلاف المراحل وتعدد مستويات التأثير.
ولعل من المناسب أن نقف عند مرحلتين مهمتين من تاريخنا السياسي كشواهد ليس إلا، مع تقديرنا الكبير لكل المراحل والتأكيد على أن لكل ملك إنجازاته العظيمة إما على المستوى المحلي أو الخارجي، ولعل التذكير بشاهد قديم والوقفة عند شاهد حديث يفيد في إجلاء الدور السعودي لتوحيد قوى المسلمين والعرب ؛ فقد بذل الملك فيصل جهدا كبيرا لتوحيد قوى الأمة بتطوافه على بلدان العالم الإسلامي للوقوف أمام العدوان الإسرائيلي على فلسطين ومصر والأردن وسوريا بعد نكبة 1967 ودعا إلى توحيد الجبهة السعودية المصرية وتجاوز بعض الاختلافات السياسية في الرؤى مع عبد الناصر لاستعادة الكرامة العربية، ثم استكمل ذلك بعد وفاة جمال وتولي أنور السادات القيادة 1970م وبتلك الروح القومية العالية والدوافع الدينية النقية انطلقت في رمضان المبارك من عام 1393هـ معركة تحرير سيناء، وتم عبور القنال وتحطيم معجزة خط بارليف، وقدم الجيش المصري برا وجوا وبحرا صورا رائعة من صور البطولات النادرة، وتجلى التضامن المصري السعودي بخاصة والعربي بعامة في أبهى صوره وأكثرها حماسة وتوقدا وانتماء، وكانت المملكة الداعم الأول لمصر، حيث جعل الملك فيصل إمكانات السعودية المالية والعسكرية رهن إشارة مصر وقدم لمصر شيكا مفتوحا يغطي نفقات الحرب، وبعد الانتصار العظيم أمر الملك ببناء مدينة فيصل في السويس تخليدا لروح التضامن وتوحيد الأهداف والغايات القومية.
وها هي بلادنا اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - تنطلق من جديد انطلاقة أكثر قوة وحزما للدفاع عن وحدتها وسيادتها وأمنها، وللحفاظ على الأمة العربية من التمزق والشتات، بعد أن تبين بما لا يدع مجالا للشك فداحة ما يضمره أعداء الأمة من عجم وغير عجم للعرب وللمسلمين، وما بيتوا من نوايا سيئة وما وضعوا من خطط وما صنعوا من خلايا وما استقطبوا من عملاء ؛ فحتم تسارع الأعداء في مخططهم سرعة مبادرة القائد إلى اتخاذ ما يلزم من فعل سياسي وعسكري متفوق يقف في وجه الشر الذي يستهدف المملكة والعرب جميعا ؛ فتوجه الملك المظفر - وفقه الله - إلى تشكيل التحالف العربي بصمت وحنكة وذكاء لتحرير اليمن ودحر المخطط الفارسي في جنوب الجزيرة العربية، ثم تم تشكيل التحالف العسكري الإسلامي لاجتثاث بؤر الإرهاب من البلدان العربية والإسلامية المشاركة في التحالف.
وها نحن اليوم في عين العاصفة وفي بؤرة العمل القيادي ونتسيد القرار والفعل و» نشق ونبعج « ونذهب حيث يكون الصالح للوطن وللعرب والمسلمين، فلم يحدث أن استطاعت دولة ولا قيادة في العصر الحديث أن تشكل تحالفين بهذه القوة والمتانة، وأن تتقدم إحدى دول المنطقة لتشارك بندية مع دول العالم الكبرى في صناعة قرار يحمي ويحصن ويغير ويدمر، يحمي الوطن والأمة، ويدمر من أراد بنا شرا.
تقف المملكة وقوف القيادي الرائد الشامخ الواثق بمركزها الديني العظيم وبتاريخيتها العربية والإسلامية، وبما أسهمت به من دور لا يمكن أن ينساه العرب والمسلمون والعالم في صياغة وجود حضاري للأمة الإسلامية منذ انطلاقتها وليدة في المدينة المنورة وإلى أن امتدت وتوسعت ووصلت إلى آفاق الدنيا في تلك الفترة شرقا وغربا.
ولئن تراجع بعضهم ؛ فإن هذا التراجع ليس بتأثير الدور السعودي القوي الذي يضرب الحديد وهو ساخن ويبدع في اجتراح الخطوة السياسية والعسكرية على السواء كخطين متوازيين ؛ بل إن هذا التراجع عائد في الأساس إلى ضعف روح المبادرة عند من رضوا بأن يكونوا بعيدين عن معترك الأحداث الحاسمة، واقتناعهم بأن مهمتهم قطرية لا قومية ولا أممية، من منطق يلخصه « نفسي نفسي « فأصبح هم ذلك البعض الانطواء على النفس والوقوف موقف المتشكك أو المتردد أمام خطوات تضامنية لا مناص من اتخاذها ؛ لإفشال المخطط الفارسي اللئيم الذي لا يستهدف المملكة ودول الخليج وحدها ؛ بل يمتد طموحه إلى تركيع الدول العربية والإسلامية جميعها ؛ لتكون تحت هيمنته وتأتمر بأمره، انتقاما من التمدد العربي والإسلامي القديم وسطوة الحضارة العربية التي امتدت إلى ما يقرب من ألف عام.
ولأن ثمة من رضي أن يقتصر دوره حول نفسه، وألا ينظر إلى العالم العربي من حوله إلا بمنظار قطري ضيق ؛ فقد سُحب البساط من تحت قدميه دون أن يشعر، وهو الوضع الطبيعي الذي يقول إن من لا يبادر ويحتل موقع الريادة سيختطف الدور منه غيره إذا امتلك الإمكانات والقدرات والكفاءات.
واليوم تقف كفاءة القيادة السياسية السعودية الحازمة والدبلوماسية المتفوقة والعسكرية الواثقة والاقتصادية السخية على المستويات كافة شاهدا مقنعا ومؤثرا على الاستحقاق التاريخي للريادة والقيادة.
أما النقيق الإعلامي الكليل الذي لا يكاد يسمع من بعض الكتاب والصحفيين؛ فإنه ليس إلا شاهدا مقروءا ومرئيا على أن المملكة تقف رائدة في مقدمة الصفوف بجيشها ومالها وحكمة قيادتها وعراقة مدرستها السياسية لحماية الوطن والأمة من مخطط الفوضى الخلاقة المدمرة ومن يختبئ في ثناياها.