خالد بن حمد المالك
يُنظر إلى زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف لفرنسا على أنها إضافة جديدة لتعميق التعاون الحقيقي المشترك، وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين المملكة وفرنسا، وهو ما ظل يؤكد عليه الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس فرانسوا هولاند في كل مناسبة ومع كل حدث، بما سمح لوسائل الإعلام الفرنسية والسعودية أن تضع ضمن اهتماماتها زيارة الأمير محمد كأحد موضوعاتها المهمة، في زمن تشهد منطقتنا تحديداً الكثير من التطورات والمستجدات الأمنية والاقتصادية على نحو يحتاج فيه البلدان ودول العالم إلى مثل هذه الزيارة، وإلى تفاهمات ورؤى مشتركة بين الدول كما هي بين المملكة وفرنسا.
***
وزيارة ولي العهد وهو رجل الأمن المعتبر في المنطقة، أعادت الحديث عن الأعمال الإرهابية التي شهدتها باريس وهزت العالم، وبدأ المحللون يستذكرون تجربة المملكة ونجاحها في تضييق الخناق على الإرهابيين، وجهدها في تجفيف منابع الإرهاب، ومقدرتها في التصدي لداعش وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى، واستحضار التجربة السعودية في مطاردة التنظيمات الإرهابية في فرنسا، لضمان عدم تكرارها مرة أخرى بمثل ما حدث في باريس باستخلاص التجربة السعودية أمنياً في إضعاف قوة الإرهاب، وما يمكن أن تضيفه هذه التجربة في مواجهة الإرهاب أمنياً في الجمهورية الفرنسية.
***
وما يعنينا في الزيارة نجاحها بأكثر مما حاول خصوم وأعداء المملكة أن يقللوا من أهميتها قبل أن تبدأ، وهذا النجاح لا ندعيه، ولا نتكهن به، ولا نقوله دون أن يكون لدينا ما نؤكده، وهو ما جعلنا نؤجل تعليقنا على الزيارة، ورأينا في مستوى نجاحها إلى ما بعد عقد الجولات من المباحثات بين ولي العهد بحضور الوفد الرسمي المرافق والرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والبيئة والطاقة والبحار والمدير العام لجهاز الأمن الخارجي والمدير العام لجهاز الأمن الداخلي، وطبيعي أن هذه الاجتماعات توحي بأن كل الجوانب المهمة في علاقات الدولتين قد تم تناولها بإسهاب واهتمام كبيرين.
***
ويكفي أن الدعوة وجهت لسموه من رئيس الجمهورية، ووجه بتلبيتها خادم الحرمين الشريفين، مما يفسر حجم الاهتمام من القيادتين في كل من المملكة وفرنسا بإجراء هذه الجولات من المباحثات خلال يومي الزيارة لسمو الأمير، وأن أياً من الموضوعات والقضايا التي تهم الجانبين كانت مشمولة باتخاذ القرار المشترك المناسب لها في ظل توافق في وجهات النظر، وانسجام تام في التعامل معها وبما يلبي ويستجيب لرغبة الدولتين، ويعمق أكثر من روح الصداقة التاريخية التي تجمع المملكة بفرنسا، واستمرارها مع كل ملوك المملكة ورؤساء فرنسا، دون أن يشوبها فتور أو تراجع أو يمس هذا التعاون المتميز شيء من التراجع لأي من الأسباب.
***
ونستطيع القول إن زيارة ولي العهد إلى فرنسا، واجتماعاته برئيسها ورئيس وزرائها وعدد من الوزراء قد حققت النجاح المخطط لها، إن لم نقل بأكثر مما خطط للزيارة، سواء فيما يتعلق بالتعاون الثنائي المشترك الذي يقتصر على الشأن الثنائي بين الدولتين، أو ذلك التعاون الذي يمتد إلى القضايا والمستجدات على المستوى الدولي، كالإرهاب والتعامل مع داعش تحديداًً، والموضوع في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، والحرص معاً على إحلال السلام والاستقرار والتعاون لتحقيق ذلك ضمن المنظومة الدولية التي تعنى من خلال تحالفاتها لتحقيق هذا الهدف، سواء بالحوار والحلول السياسية والدبلوماسية أو بالتعاون العسكري كتلك التي لا يتحقق الحل لها بالطرق والأساليب السياسية.
***
ومن المؤكد أن مثل هذه الزيارات بين القيادات والمسؤولين في كل من الرياض وباريس التي هي في حالة استمرار وتكرار على امتداد التاريخ قد عززت من استمرار العلاقة الثنائية بهذا الفهم وبهذه القوة، وجعلت هذه الزيارات فرصة لمراجعة آفاق التعاون، وصولاً إلى ترسيخه بما يستجيب إلى تطلعات الدولتين، ويبقي الصداقة والتعاون والرغبة المشتركة في حالة استمرار ونمو وبحث نحو الأفضل، وهذه ضمن أهداف الزيارة التي قام بها سمو ولي العهد، وقد شدد الجانبان في اختتامها على أنها كانت ناجحة بامتياز.