جاسر عبدالعزيز الجاسر
هل يريد العرب أن يفقدوا العراق ولبنان لصالح إيران، بعد أن فقدوا تماماً سورية؟.
نعم العرب فقدوا سورية ومن يتحجج من الدول العربية بأنهم لا يساندون بشار الأسد، بل كل همهم الحفاظ على الدولة السورية وحفاظ مؤسساتها، فما هم فاعلون وبماذا سيتحججون بعد أن تواترت المعلومات بأنّ حلفاء بشار الأسد من «الرفاق الروس» يعملون على تقسيم سورية، والبداية من تحويلها إلى دولة اتحادية فدرالية تضم جمهوريات ذات حكم ذاتي على غرار ما هو مطبق في الاتحاد الروسي، ولكن ليس بالمضمون الروسي، فالاتحاد الروسي يكفل للروس الذين يشكلون الأغلبية العظمى الهيمنة على الاتحاد الذي يضم إضافة إليهم قوميات وإثنيات أخرى، أغلبها إنْ لم تكن جميعها تدين بالإسلام، فجمهوريات القوقاز والتتار والشيشان تتمتع بحكم ذاتي، وتُعَد جمهوريات ضمن الاتحاد الروسي. وفي سورية يسعى الروس حلفاء بشار الأسد، إلى تحويل البلاد إلى دولة فدرالية من خلال الاتحاد السوري، ولكن السيطرة ستكون للفئة الأكثر والأغلبية العظمى، فالمعروف أنّ العرب السنّة في سورية هم الأكثرية، ولكن خارطة التقسيم والتي قد تنحصر على ثلاث جمهوريات ذاتية، جمهورية للأكراد وتمتد من القامشلي والحسكة وحتى الشريط الحدودي مع تركيا، ثم جمهورية الساحل التي ستحكم من قِبل العلويين ولا يهم تواجد المسيحيين في اللاذقية وحتى المسلمين السنّة، المهم أن يكون الحكام علويين، وجمهورية ثالثة للعرب السنّة وتضم باقي الأراضي السورية مع إمكانية قيام جمهورية رابعة للدروز في جبل السويداء.
ذلك التصور الروسي لتقسيم سورية، يسير على الأرض على قدم وساق، ويظهر أنّ هناك تفاهماً بين موسكو وواشنطن على ذلك، من خلال دعم الأمريكيين للقوات الكردية في سورية، وإصرارها على تزويدها بالسلاح رغم اعتراض الحليف التركي.
مقابل دعم الأمريكيين للسيناريو الروسي لإنهاء الأزمة السورية، فإنّ الروس سيدعمون السيناريو الأمريكي لتقسيم العراق إلى ثلاث دول، فبالإضافة إلى دولة الأكراد في إقليم كردستان، يقسم ما تبقى ما بين العرب الشيعة والعرب السنّة، إذ تمكن المحافظات الشمالية الغربية لتكوين دولة للعرب السنّة، وتحويل محافظات الوسط والجنوب لتكوين دولة للعرب الشيعة، وسوف يجول نائب الرئيس الأمريكي على دول المنطقة للترويج لهذا المشروع الذي قدمه بنفسه إلى العراقيين والعرب، وظل يطبخ على نار هادئة حتى عجلت الأحداث والمتغيرات التي شهدتها المنطقة وفي العراق، على القبول وبالذات من السنّة العرب.
تقسيم العراق وسورية والبدء في نقل تصورات واشنطن من قاعات المحادثات إلى أرض الواقع، ملاحظ لكل عين ذي بصيرة ممن يعملون في التحليل الإستراتيجي ويتابعون التحركات السياسية، ولا يبقى إلا التنفيذ. ومشرعا التقسيم والتجزئة المتفاهم عليهما من العاصمتين الكبيرتين يحظيان بموافقة بل وتأييد تام من طهران، إذ يعتقد حكام إيران من الملالي أن تقسيم العراق سينهي الجدار العربي الصلب الذي كان يعترض توسع الفرس باتجاه الأراضي العربية، وأنّ تجزئة سورية إلى جمهوريات صغيرة إحداها طائفية ترتبط بهم تتيح لهم تحقيق حلمهم في وصول نفوذهم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، وأنّ الأمريكيين والروس، يعملون لتحقيق أطماعهم في ترسيخ نفوذهم في أهم بلدين عربيين، أصبحا تحت نفوذهم تمهيداً للتمدد إلى بلدان أخرى، في ظل تقاعس ونكوص دول عربية أخرى ترى هذا الخطر الفارسي ومع هذا لا تحرك ساكناً.