د. أحمد الفراج
خلال سلسلة المقالات التي كتبتها عن الانتخابات الأمريكية مؤخرا، كان أكثر ما يسأل عنه القراء الكرام يتعلق بكيفية خسارة مرشح ما للرئاسة، رغم فوز ذات المرشح بأغلبية أصوات الشعب، وهو سؤال يتكرر باستمرار، وسبق أن كتبت عنه عدة مقالات، ولكن لا بأس من الكتابة عنه، مرة أخرى، طالما أننا في مرحلة الانتخابات الرئاسية، وغني عن القول: إن الكتابة عن ذلك لا يعني طعنا في الديمقراطية الأمريكية التي أسسها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، قبل أكثر من قرنين، وإنما لتوضيح نقاط هامة عن هذه الديمقراطية الفريدة، ففي أمريكا يحسم فوز الرئيس عن طريق أصوات المندوبين، لا أصوات الشعب، وهناك عدد محدد من المندوبين لكل ولاية، ويبلغ عدد المندوبين حاليا خمسمائة وثمانية وثلاثين (538)، وهو ذات عدد أعضاء الكونجرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ الفيدراليين)، زائد ثلاثة مندوبين لمدينة واشنطن دي سي العاصمة، وجدير بالذكر أن كل ولاية يمثلها عدد من المندوبين بحسب عدد سكانها (نسبة وتناسب)، وبالتالي فإن عدد المندوبين للولايات الكبيرة، مثل كاليفورنيا ونيويورك وتكساس، أكبر بكثير من نظيره لولايات صغيرة، مثل فيرمونت ومين.
كانت فكرة الآباء المؤسسين من ذلك هي أن يكون هناك عدالة بين الولايات الكبيرة والصغيرة، ولكن ثمة مشكلة أخرى في الديمقراطية الأمريكية، فمن الناحية النظرية، يحق لأي مواطن أمريكي أن يترشح للرئاسة، إذا تحققت فيه الشروط والمواصفات المطلوبة لذلك، كما يحق للمواطنين تأسيس الأحزاب السياسية باشتراطات معينة، كما في كل الديمقراطيات. هذا، ولكن التاريخ يشير إلى أنه لم يسبق أن فاز برئاسة أمريكا أي مرشح من خارج الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، رغم وجود عشرات الأحزاب السياسية، والتي تتراوح أيديولوجياتها بين اليمين واليسار والوسط، وهذا الأمر لم يتم فرضه بالقوة، بل أصبح عرفا شائعا، كرسته الدعاية الإعلامية الرهيبة، وقبل به الشعب، واستساغه، بل وتواءم معه، ما يعني أنه لا يمكن أن يحلم أي كان بالفوز بالرئاسة، ما لم يباركه أحد الحزبين الرئيسيين، وغالبا يسقط الإعلام أي مرشح لا تتواءم مواصفاته مع المواصفات المطلوبة، والتي تحددها النخب، ولوبيات المصالح الكبيرة.
وبناء على ما سبق فلا يمكن أن يفوز بالترشح للرئاسة، ناهيك عن الفوز بها، من يقف مع المواطن، وضد مصالح النخب والقوى المتنفذة، سياسياً واقتصادياً، وهذا ما حصل لمرشحين كبار، خلال العقود الماضية، مثل المرشح المستقل، روس بيرو، والديمقراطي، قاري هارت، والجمهوري، رون بول، والآخر بات بوكانن، والذي صرح ذات يوم بأن مبنى الكونجرس الأمريكي هو عبارة عن مستعمرة إسرائيلية، وقد دفع ثمن ذلك غاليا، وسنكمل حديثنا، وبالتفصيل، عن كيفية خسارة مرشح للرئاسة، رغم فوزه بأصوات الشعب في المقال القادم، بإذن الله.