م. عبدالعزيز علي الزنيدي
في الأمس القريب شيّع أهل عنيزة ابنهم الضابط إبراهيم بن عبدالله الزنيدي إثر شظية غادرة من معتدٍ أشر، نزعت من روحه وفكره سمة العروبة، وهو الذي يجب أن يكون خط الدفاع الأول عن لقبه العربي.
تلقى الشهيد إبراهيم الإصابة وهو مع زملائه المدافعين عن عزة الوطن، ولم يمهله القدر حتى ينعم بشرف التحرير والاعتزاز بنوط البطولة حين لقي ربه بعد أيام معدودة إثر نزيف حاد في الرأس. إبراهيم البطل توفاه الله دفاعاً عن وطنه عزة وكرامة، والمعتدي طوق نفسه بسلاسل من لهب بأمر الله جزاءً لغدره وعدوانيته.
أما أنت يا إبراهيم فقد حزت الشرف المؤزر، والبشارة في جنات النعيم، والشهادة التي وعد الله بها عباده المدافعين عن عرض بلادهم وصيانة دينهم.
(اللهم تقبله شهيداً عندك.. اللهم اغفر له وارحمه، وارفع درجته في المهديين).
إبراهيم كان باراً بوالديه، واصلاً لرحمه، وتعامله يسعد أسرته وقرابته.. قبل الرحيل للحد الجنوبي والتزام المرابطة سلّم على أهله، وقال لهم لن أرجع. ولما أُصيب، ونُقل للمستشفى، وصحا من غيبوبته قال لهم «سأصلي ما عليّ من صلوات». ولما زارته أخته قالت له «الحمد لله رجعت، وأنت قلت لن أرجع». وكان مصراً على الشهادة. فأرسل صوته يقول لأحد زملائه المرابطين «سأعود»، لكن القدر كان أقرب فتوفاه الله. (اللهم وسع له قبره، ونوّر له فيه، واجعل قبره روضة من رياض الجنة).
إبراهيم وأمثاله من الجنود البواسل هم دروع الأمان وداحرو الأعداء.. ينام أبناؤنا بيننا في أمان وسلام وهم بين الصحاري والجبال في يقظة دائمة، يتناوبون جرعات النوم القصيرة، وأعين بعضهم ساهرة لا تغمض عن مراقبة الغزاة.. ولأن أرواحهم فداء للوطن فإن الوطن هو الآخر قام بالتشريف والمتابعة لأهاليهم وأسرهم بموالاتهم، وجبر كسرهم، وتحقيق احتياجاتهم.. وكان لمبادرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل من مشعل الأثر الإنساني الجميل بمبادرته والوجود في جامع الشيخ ابن عثيمين، والصلاة على الفقيد الملازم إبراهيم عبدالله الزنيدي. وبادر سموه بحمل نعش الجنازة على كتفه مع بقية الأفراد حتى أوصله إلى مركبة نقل الوفيات، وذلك في إنسانية الأمير وتعايشه مع الموقف الإنساني. وأزاح الألم والحزن عن أهله بكلماته الإنسانية وعباراته التحفيزية ولطافته الاجتماعية.. شكراً سمو الأمير؛ فقد عودتنا دائماً على جبر المصاب، ورتق الألم، ورفع الروح المعنوية بإنسانيتك الصادقة، وكلماتك الحانية، ووقفاتك الأبوية التي جففت منابع الحزن، وأوردت زهور الرضا بالخاتمة الحسنة.
أخي عبدالله والد الشهيد - بإذن الله -.. احمرت عيناك على فَقْد غاليك، لكنك كنت من أكثر المتماسكين أمام جلل المصاب إيماناً بالقضاء والقدر؛ فقد غاب إبراهيم عن دنيا فانية إلى رب رحيم كريم، توعد الشهداء بالجنان الوارفة، وإن شاء الله إبراهيم أحد داخليها.
أم إبراهيم.. أم البطل.. أم الشهيد.. أم الغيور على وطنه.. في تربيتك المثالية قدمتِ للوطن شاباً يفخر به بنوه، ويتفاخر به أصدقاؤه ومعارفه.. فأنت أُمٌّ مثالية، ومربية فاضلة.. فإخوة إبراهيم (زياد ومحمد وصالح وعزام) فيهم صورة إبراهيم بالإنسانية والمثالية ولطف التعامل وحب الوطن..
اللهم إني أسألك بمنك وكرمك أن تتغمد الفقيد بواسع رحمتك، وأن تثبته بالقول الصالح.. اللهم ارحمه فيمن رحمت، وأدخله الجنة مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله.. اللهم اجمعنا وإياه في مستقر رحمتك.. اللهم آنس في القبر وحشته.. اللهم ثبته عند السؤال، واكفه فتنة القبر.. اللهم آمين يا رحمن يا رحيم.