فهد بن أحمد الصالح
إنّ منافع الادخار قد تجاوزت بكثير المنفعة للمُدخر وإن كان لا يُقدر قيمة تلك المنفعة إلا في نهاية فترة ادخاره, وأصبحت قطاعات الأعمال الرائدة تستخدم برامج الادخار كقيمة تنافسية في سوق العمل لأنها بتلك الثقافة تقدم قيمة في الولاء والرضاء الوظيفي
وتقلل من دوران العمل الخارجي والفاقد من العمالة خاصة وأنها تخسر على تأهيل منسوبيها مبالغ باهظة من أجل الرقي في تقديم رسالتها وعكس الصورة الحسنة عنها لأن موظفيها هم عنوانها الأول في المجتمع المحلي وربما العالمي, وفقدانهم يمنيها بخسارتين, الخسارة الأولى أنها ستفقد من استقطبتهم وأهلتهم ودربتهم حتى أصبحوا منتجين وعرفوا سياستها وأسلوب عملها وحتى عملاءها وخسرت على البيئة والبنية التحتية التي تريحهم, والخسارة الثانية أنها ستنفق تكاليف إضافية على تأهيل الجديد الذي سيستقطب مكان الموظف المغادر وربما يكون أعلى كلفة وأرفع راتباً وإعادة تدريبهم ومروره من جديد على إجراءات وأساليب العمل وما يصاحب ذلك من تفريغ لموظفين سابقين يتولون هذا الدور, ثم إن تعاظم المنفعة بينها وبين منسوبيها في فائدة الادخار التي تزداد للموظف كلما أمضى وقتاً أطول لديها, وهنا تبرز قيمة وثقافة الكيانات الكبرى المهنية التي تعلم أن السوق مفتوح وعليها أن تقدم لموظفيها ما يجعلهم لا يفكرون في مغادرتها لأن البقاء سيكون عند الأفضل في المميزات والحوافز التي يحسبها الموظف بدقة متناهية, ونجح في ذلك العديد من القطاعات التي سنأتي على بعض منها كأمثلة فقط وفي المجتمع العديد من المصالح الحكومية وشبه الحكومية والمؤسسات الأهلية وكذلك قطاعات الأعمال ما يقدم برامج للولاء تستحق الامتنان بها والشكر لهم عليها لأنها تخلق بيئة منتجة ومستقرة وترتقي في نفس الوقت بمعيشة منسوبيها واستقرار نفسياتهم وقناعتهم بما يقدم لهم, كذلك إلى بعض قصص النجاح على المستوى الشخصي وقد وقفت عليها وعلى تفاصيلها من الواقع وهي دلالة واضحة على فاعلية الادخار على المدى الطويل بل إنها البداية الصحيحة لمستقبل آمن بتوفيق الله فالناس لا يولدون أثرياء إلا القليل.
ومن باب المثال وليس الحصر فنجد أن :-
«هيئة سوق المال, وحسب الاقتطاع والادخار الذي يرغب فيه الموظف أنها تعطيه بعد تمام الخمس سنوات الأولى هبة تعد قيمة مضافة عليه بالريال بمقدار 50% إن رغب في الاستفادة منها, أو تضاعف له المبلغ المدخر بعد عشر سنوات من بداية ادخاره وهذا جعل بيئة الهيئة بيئة جاذبة وفي نفس الوقت جعل خياراتها في استقطاب الموظفين أوسع من غيرها لأنها لا تبحث هنا إلا عن المتميزين سواء حديثي التخرج أو في استقطاب أصحاب الخبرة والكفاءة.
«شركة أرامكو السعودية, يقتطع من الموظف بدل السكن ويحفظ له تراكمياً وعند رغبة الموظف الاستفادة من ادخاره لبدل السكن تمنح أرامكو لمنسوبيها ضعف المبلغ المُدخر وتخصيصه لشراء عقار خاص للموظف ولذا تجد قيمة الولاء مرتفعة لدى منسوبيها, وقليل من موظفيها من لم يستفد من برنامجها الادخاري ولذا تجد نفسياتهم مرتاحة جداً ولا يفكرون في مغادرتها بل إن الارتباط بها والحنين إليها يبقى حتى بعد التقاعد ويستمر التواصل.
«شركة الكهرباء,, بحسب مبلغ الاقتطاع الذي يرغب فيه الموظف وعند الرغبة في الاستفادة منه فإن الشركة تمنح الموظف ضعف المبلغ المُدخر كقرض حسن وبدون فوائد عن طريق أحد البنوك وفق ضوابط السداد المعتادة.
«شركة سابك,, تقتطع النسبة التي يراها الموظف لمدة 120 شهراً وعند رغبته في الاستفادة من المبلغ المدخر فإن الشركة تمنح للموظف مبلغاً إضافياً يعادل قيمة ما تم ادخاره وله الحق في أخذه نقداً أو شراء منزل أو عقار به.
«أما القطاع البنكي فإن بنك الرياض والبنك الأهلي يقدمان لموظفيهما برنامجاً ادخارياً بحسب رغبتهم في الاقتطاع وعند بلوغ الخمس سنوات لهذا الاقتطاع فإن البنك يمنح الموظف زيادة على المبلغ المُدخر بقيمة 25%, وبعد عشر سنوات 50%, وبعد 15 سنة 75%, وبعد 20 سنة بضعف المبلغ المُدخر, وتعتبر البيئة البنكية كذلك بيئة جاذبة حتى وإن كان برنامج الادخار أقل من القطاعات الأخرى, ولكنه أفضل بكثير ممن لا يقدم هذا البرنامج.
وعلى المستوى الشخصي لمنافع الادخار سوف أسوق أمثلة يتحدث لي عنها أصحابها عن ما حققه الادخار لهم من منفعة وعلى مدى ليس طويل وكيف أنهم عند تقنين المصروفات دون تقتير كيف كانت فائدتهم, ومن ذلك ما يلي:-
الأول يقول: قدّم له صديق يثق كثيراً في محبته له وإخلاصه في نصحه ومع بداية أنظمة الإقراض الإسلامية وطلب منه أن يقترض بقدر استطاعته وبما لا يؤثر على راتبه الشهري, وأقنعه بمساهمة عقارية يعرف صاحبها حق المعرفة وأنه سيدخل معه في المساهمة وهذا من أجل المزيد في إقناع صاحبي لأنه كان متردداً في الأصل واقترض مبلغ نصف مليون ريال وسداده على خمس سنوات, وانتظر تلك المساهمة طويلاً وزادت مخاوفه منها ومن فائدتها أو حتى عودة رأس المال المدفوع, وكان يسعى لطمأنته باستمرار وأنه المسؤول عن خسارتي وبعد عشر سنوات تم تصفية المساهمة وبربح 1000 % ( عشرة أضعاف) وكانت نقلة إيجابية في حياته وحياة أسرته ويردد ذلك باستمرار شكراً لله ولصاحبه.
الثاني يقول: أتاني من يرغب في سلفة مني وأنا أعرف أنه ليس محتاجاً وتوقعته يمازحني, وقلت له ذلك فلم يتغير طلبه وهو صديق مخلص وزميل عمل وتوأم دراسة وقال لي هل تستطيع أن تقترض من أجلي وقلت نعم وقال أنا أكفلك فإن لم تستطع فسوف أسدد عنك وذهبنا إلى البنك وأخذت قرضاً بالتورق الإسلامي وسلمته له ولم أكتب أنا وهو هذا الدين لثقتي المطلقة فيه, وبعد أيام سلمني سنداً بالمساهمة بكل المبلغ وباسمي وقال يكفيك أن تجد هذا المبلغ بعد سنوات في حسابك حتى ولو لم يربح وسيكون رأس مال لانطلاقة جديدة ستحتاج إليها وواصلت السداد حتى انتهى القرض واستلمت المساهمة بعد أن أكملت السداد بربح تجاوز 200 % وهذا فضل من الله ثم بفضل الناصح الأمين وقبولي البرنامج الادخاري.
ومئات يقولون: إننا اشترينا عقاراً بالأقساط (أرض أو فله أو شقة) وعند انتهاء المهلة وجدنا أنفسنا في سعة رزق والمنزل والأرض تحت ملكنا وكأننا لم نخسر من قيمتها ريال واحد وهي حالات في هذا العصر كثيرة لكن ليس بالإمكان شراء المنزل على شاب في مقتبل أو منتصف عمره مع زيادة الأسعار وارتفاع العقار ولكن مع الأقساط التي حددتها الأنظمة بان لا تتجاوز 33% من الراتب أصبح من المفيد أن تدرس الكثير من الخيارات ويتخذ فيها قراراً بالتنفيذ العاجل.
ختاماً,, هي دعوة نسوقها لكل الأعمار والأجناس إن منافع الادخار لا يمكن أن يحصيها تحقيق أو يحيط بها استطلاع وأصحاب الرأي والخبرة يدفعون بها ويؤيدون المضي فيها حتى وإن كانت في بداياتها صعبة حتى يتعود الإنسان عليها, وفي قسوتها في أولها سيجد الإنسان الخير في آخرها, وعلى كل فرد قبل أن يمضي به العمر أن يتخذ قراراً في هذا الاتجاه وبأي صورة يراها تناسبه, وعليه عند دراسة الفرص الوظيفية أن يحرص على القطاعات التي تقدم برنامجاً ادخاريا لمنسوبيها واعتبار ذلك قيمة مضافة للوظيفة والمفاضلة مع غيرها على هذا الأساس لأن الموظف سيجني ثمرة ذلك في مستقبله, وإن لم يتحصل على ذلك فعليه أن يكيف نفسه على برنامج ادخار شخصي ويعمل على الاحتياجات الرئيسة في معيشته لحين تحقيق الأمان الأسري له ولعائلته, فالفرص لا تأتي تباعاً وكلما تقدم العمر زادت الأعباء وكثرت المسؤوليات ومعها دون شك ستكثر العوائق التي تحد من الادخار, كما إن دراسة الخيارات المطروحة ستجعل الأفق أكبر لدى الشخص الذي يريد إضاءات لمستقبله الادخاري وستمكنه من معرفة أي الخيارات أفضل وستكون عملية المقارنة وفوائد كل عرض واقعاً مشاهداً, المهم في آخره أن يتقدم الإنسان خطوة للأمام في مستقبل أكثر أمان له ولأسرته.