أمل بنت فهد
يحدث أن يكرمك القدر بإنسان متفانٍ.. سريع الاستجابة.. خفيف النفس.. كأنما ينفذ ما يطلب منه بمتعة وحب.. وفي كل مرة يكون هو خيارك الأول لتنفيذ المهام الأصعب والأسهل أيضاً.. ردوده السريعة وجمله اللطيفة لا تفارقه.. يُشعرك بأنه ممتن كونك جعلته محل الثقة والمسؤولية.
قد يكون أحد موظفيك.. أو أحد زملاء العمل.. أو أحد أبنائك.. أو أحد أصدقائك.. بالطبع هم نعمة تستحق الشكر والمحافظة والانتباه.. لكن الذي يحدث غالباً أن تدمر هذا المخلوق اللطيف المتعاون.. وتدفعه بغباء وسذاجة ليغير شخصيته ويعدل خارطة التعاطي معك.. دون أن تنتبه ودون أن تدرك.. يتسرب من بين يديك ويتحول إلى شخص ثانٍ لا تعرفه.. فما الذي حدث ويحدث؟ وكيف لك أن تردم منجم ذهب كان يصب في مصلحتك فوائد عظيمة؟
الذي يحدث مع تلك الشخصية أن صاحب القرار يتصرف بجبن أو كسل مع البقية.. يخشى الرفض وغير مستعد للنقاش والجدال.. ينسى أن توزيع المهام إذا فقد العدالة فكك المجموعة مهما كانت مترابطة.. والعدالة لا تعني الكم إنما الكيف.. بحسب المهارات والقدرات توزع.. وليس بحسب الطاعة والأدب والضعف والقوة.. فلا يعني أن تُبتلى بفرد عنيد أو جدلي أن تفرغه من مهامه.. وتلقي بها على عاتق الطيبين والموالين لك والمقدرين للعمل والمؤمنين بقداسته.
على سبيل المثال يغلب أن تجد في كل منزل اسم مرتبط بالأوامر.. ابن أو ابنة.. لا يبقى أحد من المنزل لم يستفد من خدماته.. لا يكاد يجد لنفسه وقتاً.. كأنما نذر نفسه للعائلة.. بينما البقية العنيدة والمتكاسلة والمهملة أخذت إعفاء ضمني من العمل والمسؤولية.. لأنها مشتتة لا تكاد تكمل ما طلب منها دون نواقص.. أو جدلية تسأل وتقارن ولا يمكن أن تقوم بشيء دون أن يشاركها أحد في إنهائه!
تلك الوضعية لها أبعاد قد لا تنتبه لها حتى تفقد زمام الأمور وتعم الفوضى.. من جانب الشخصية المتفانية ستفقد حماسها مع الوقت.. لشعورها بالضغط والظلم والتسلط.. بينما الآخرون سيفقدون مهارتهم بعد أن علاها غبار عدم الاستخدام.. وسيغلب على شخصياتهم الاتكالية.. وسيفقدون الاهتمام ولذة المشاركة والإنجاز.. وأنت تخسر الطرفين.. وتبقى وحدك بين عدو ناقم.. وعدو خامل!
لذا قبل أن تتكئ بثقلك على فرد واحد.. تذكر أن لا تجعل للعطاء والتفاني ضريبة.. ضريبة يشعر بها الأكثر إخلاصاً.. ضريبة أن يكون «ذرباً.. وحركاً.. وسريعاً».. لا تجعله يدخل في مقارنة مع النائمين أبداً.. لا تجبره على ركل مبادئه.. سيكون الهدف في مرماك مؤلماً.. والخسارة كبيرة.
فالتميز يحتاج عناية ليبقى ويكبر.. وانتباه وحماية حتى لا يجرح وينزف ويموت دون معزين.