د. عبدالواحد الحميد
تبوك الفاتنة، بمدنها وقراها وأوديتها وجبالها، تأسر زائرها الذي يكتشف في كل مرة يزورها أن ما يعرفه عنها هو أقل بكثير مما ينغي أن يعرفه! هذه الحالة، أيضاً، تتكرر عندما نزور المناطق الأخرى من المملكة، فنحن السعوديين ربما نعرف عن بعض المدن الكبرى في العالم ومناطق السياحة في الخارج أكثر مما نعرف عن مناطق بلادنا وما تحتويه من كنوز آثارية وأماكن سياحية رائعة!
ذهبت قبل أيام مع مجموعة من الأصدقاء إلى تبوك بدعوة من الدكتور مسعد العطوي الناقد الأدبي المعروف والأستاذ الجامعي وعضو مجلس الشورى ورئيس النادي الأدبي في تبوك سابقاً، فكانت فرصة جميلة لمعرفة مدينة تبوك وبعض المدن والمحافظات والمراكز في المنطقة والاطلاع على معالمها والتقاء نخبة من الأدباء والشعراء والمثقفين من أبناء المنطقة.
تبوك تملك كل الإمكانات التي تجعل منها وجهة سياحية متميزة، فهي تجمع بين المعالم الأثرية والطبيعة الجغرافية المتنوعة من جبال شامخة وأودية سحيقة وسهول منبسطة وشطآن رائعة، وهي بالإضافة إلى ذلك منطقة زراعية وتحتل موقعاً إستراتيجياً يضفي عليها أهمية عسكرية واقتصادية لكونها «على مرمى حجر» من دول عدة مجاورة.
سبقت زملاء الرحلة في الوصول إلى المطار، فوجدت الدكتور مسعد العطوي والدكتور عبدالله العطوي في انتظاري، وانطلقت بعد استراحة قصيرة مع الدكتور عبدالله إلى قلعة تبوك التاريخية وهي قلعة لازالت متماسكة وصامدة تم بناؤها في عصر السلطان العثماني سليمان القانوني سنة 967هـ/1559م، وجُدد بناؤها في عصر السلطان محمد الرابع سنة 1064هـ/1653م، وتم تجديدها مرة أخرى سنة 1260هـ/1844م في عصر السلطان العثماني عبدالمجيد. تجولت في القلعة واطلعت على المقتنيات الأثرية الموجودة فيها، ثم ذهبت إلى المسجد المجاور وهو مسجد الرسول وصليت ركعتين، ويطلق عليه أيضاً مسجد التوبة، وقد أدى الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاةَ فيه أثناء غزوة تبوك وتم بناؤه في العهد الأموي على يد الخليفة عمر بن عبدالعزيز وتم تجديده في زمن الدولة العثمانية ثم في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز.
انطلقت من هناك، وشاهدت بقايا محطة سكك حديد الحجاز، وهي المحطة التي تم إنشاؤها في العصر العثماني عام 1906، وكانت محطة رئيسة على الخط الحجازي القديم الذي كان يربط المدينة المنورة ببلاد الشام.
تجولت في الشوارع الحديثة بمدينة تبوك، وهي شوارع فسيحة ومُنظمة زُينت بالأشجار والزهور وغير مكتظة بالزحمة القاتلة التي يعاني منها سكان الرياض، وعلى امتداد الشوارع تنتشر المحلات التجارية والمطاعم ذات الأسماء التجارية المعروفة ومباني الإدارات الحكومية.
في تبوك يشعر الإنسان أن هذا المكان الرائق الهادئ الذي لا تنقصه حيوية المدن الحية ولا يعكر صفوه صخب وضجيج العواصم الكبرى المكتظة بالزحام والتلوث هو مكان مثالي للاستمتاع بالحياة والطبيعة ودفء العلاقات الاجتماعية.