محمد سليمان العنقري
تطبيق تعرفة المياه الجديدة التي عُدّلت شرائحها وأسعارها مع بداية العام الحالي 2016م ترافق معه تصريحات وتأكيدات من وزارة المياه والكهرباء أن الزيادة بالفواتير لن تكون كبيرة على القطاع السكني؛ إذ إن تعديلات الأسعار ارتفاعًا وتغيير الشرائح الاستهلاكية يهدف إلى ترشيد الاستهلاك، وهذا ما أكده معالي وزير المياه والكهرباء في المؤتمر الإعلامي الذي تم فيه إيضاحات حول رفع أسعار الطاقة والمياه والوقود.
إلا أن ما يلاحظ وما أقر به الكثير من المستهلكين عبر وسائل عديدة أن الفواتير زادت بنسب عالية، بل تجاوزت فواتير الكهرباء. والمشكلة ليست بتغيير الأسعار في المقام الأول بل كانت بتعديل الشرائح؛ إذ انخفضت من مضاعفات 50م مكعب إلى 15م مكعب؛ ما أثر كثيرًا في الفواتير. فمن المعروف أن استهلاك المياه بالمملكة مرتفع قياسًا بدول العالم، لكن أيضًا هناك أسبابًا كثيرة ترفع من مستوى الاستهلاك، كطبيعة الأجواء الحارة، وأيضًا وجود تسربات بالشبكة، تُعدُّ مرتفعة، وغيرها من الأسباب.. إلا أن الحاجة لمراجعة مضاعفات الشرائح الاستهلاكية باتت أمرًا مهمًّا؛ إذ إن الفرق بالفواتير لم يكن بسيطًا بين الفترة قبل التعديل وحاليًا؛ ما يعني ضرورة دراسة المتغيرات بالتكاليف على الوحدات السكنية والأسر.
أما شركة المياه الوطنية الوريث للجهات الحكومية التي كانت سابقًا معنية بخدمات المستهلكين، والتي أصبحت تعمل بأسلوب تجاري منذ نحو 8 سنوات، فهي مملوكة بالكامل للدولة من خلال صندوق الاستثمارات العامة برأس مال مصرح به، يبلغ 22 مليار ريال. وبخلاف أن الشركة تأتي كمحصلة للخصخصة بقطاع المياه والصرف الصحي؛ وذلك لتطوير الخدمات وتحسينها، وستطرح للاكتتاب العام في غضون ثلاثة أعوام قادمة، فإن الشركة التي انتقلت لها جميع أعمال المياه ما بعد الإنتاج، وهي المعنية بالمستهلك، لم يظهر عليها ذلك التحسن الجوهري عمليًّا بخدماتها بخلاف بعض التطوير الذي طال مقارها والخدمات الإلكترونية. أما تمديد الشبكات أو محطات المعالجة وغيرها فهي أعمال كانت تقوم بها مصلحة المياه سابقًا، وليس بالعمل الجديد، وهو تطور ونمو بالأعمال روتيني.
لكن عند النظر إلى خدمات العملاء فنجد أنه في حال التبليغ عن اعتراض على الفاتورة أو أي طلبات صيانة لتسريبات فإن تلبية الطلب تأخذ مدة تصل إلى شهر كامل، أي خلال 30 يومًا من تاريخ التبليغ، فكيف تكون شركة تأسست حتى تحسن وتسرع بخدماتها وتأخذ كل هذه المدة؟! والتناقض العجيب أن وزارة المياه والشركة تدعوان وتهدفان بأعمالهما لترشيد الاستهلاك، فإذا كان إصلاح خلل يتسبب بتسربات يأخذ كل هذه المدة ألا يعد ذلك مساعدة على هدر المياه؟!! وبالتالي يخالف كل التوجهات للترشيد والحد من الهدر. كما انه عند انقطاع المياه والحاجة للتعبئة عن طريق طلب (وايت) مدفوع الثمن يُفترض أن لا يتعدى تلبية الطلب أكثر من ثلاث ساعات، بينما تصل المدة إلى 10 ساعات أحيانًا. والغريب أن هذه الخدمة تتم عبر متعهدين من القطاع الخاص، ويُفترض أن تكون لديهم جاهزية لتسريع إيصال الخدمة. أما من ناحية إصلاح التسربات فعندما يكون التسرب بالتوصيلات بالشارع فإن الحفريات التي يقوم بها مقاولو الشركة بعد ردمها وسفلتتها تنخفض عن مستوى الشارع بشكل ملحوظ؛ ما يدل على سوء في التنفيذ والجودة، وكذلك ضعف رقابة الشركة؛ فقد تعود الانكسارات من جديد مع مرور المركبات والضغط على منطقة العمل التي أُصلحت.
ونستخلص من هذه الأمثلة وغيرها أن الشركة لم تصل إلى كفاءة عالية بتشغيل القطاع بما يتعلق بالمستهلك.
إن تطوير قطاع المياه يبدو أنه يتطلب إعادة هيكلة، تبدأ من خلال فصل المياه عن الوزارة بجهاز تنظيمي وتشريعي وإشرافي مستقل، يتبع له مؤسسة تحلية المياه؛ لتتغير هي الأخرى لكيان مسؤول عن إنتاج المياه بمختلف أنواع الإنتاج، وكذلك السدود. أما ما يتعلق بخدمة العملاء فمن الأفضل إنشاء شركات عدة، تغطي كل شركة عددًا من المناطق، أو يكون على أساس قطاعي، ولا يسمح لشركة منها تتولى الخدمة بمنطقة كبرى كالعاصمة الرياض أو مكة أو جدة الحصول على الخدمة بمدن أو مناطق أخرى؛ ما سيطوِّر من الخدمات والأعمال، ويفتح الباب أمام استقطاب استثمارات وتوسيع دور القطاع الخاص في هذا النوع من الخدمات المهمة. فيكفي التذكير بوضع شركة الكهرباء بعد أن دمجت كل الشركات بشركة واحدة عاد العمل من جديد لتجزئتها؛ كي تتحسن جودة خدماتها وأعمالها، حتى لو كانت هيكلتها تتم على أساس قطاعي فإن وجود شركة واحدة تقوم بكل الأعمال يبقى مرهقًا، وهذا ما تواجهه شركة المياه الوطنية التي يجب التفكير من الآن بهيكلتها وفتح المجال لتأسيس شركات مماثلة معنية بخدمة العملاء، سواء كانت الهيكلة على أساس قطاعي أو مناطقي؛ فإن الخدمات ستكون أفضل، وسيكون لهذا التوجه دور بمنع وصول الترهل للقطاع، وعدم الخوض بتجربة مماثلة لشركة الكهرباء أو الغاز الأهلية، وغيرها من الشركات التي تتولى منفردة تقديم خدمات أساسية للمجتمع والاقتصاد، التي تظهر آثارها السلبية إما بالاحتكار أو تحملها عبء خدمات بات مرهقًا لها مع الزيادة السكانية وتطور المدن ونمو الطلب الكبير على الخدمات.