د. خيرية السقاف
لم تكن مفاجأة لي أن تكون صديقة قديمة أوروبية واحدة ممن يزورون الوطن فتشهد معرض الكتاب، وتشترك في بعض فعاليات بدء الربيع، حين لا يزال نهم هؤلاء معرفة كل جديد، لكن المفاجأة أنها لا تزال تشاء اقتناء بعض القطع الخزفية الموروثة، وغطاء الرأس، والعباءة، مفضية لي بأن تلك التي كانت بحوزتها منذ أول زيارة لها قبل عقود قد استحوذت عليها قريبتها التي ذهبت تتعقبها في محبة الشرق، و الرغبة في اقتناء شيء من آثاره،
أذكر أنها كانت قد ابتاعت مبخرة، وحين أخبرتني بنهمها برائحة عود الطيب لم ترتب حقيبة سفرعودتها لبلدها آنذاك دون أن يكون بداخلها منه ما طاب وطاب..،
وهي كلما أتيح لها القدوم إلى هنا حين تجمع مادة علمية لبعض بحوثها تتزود بما يضفي على مكتبها، ويضيف لمنزلها من الآثار التي تكشف عن حبها للشرق لكل من يرتادهما في بلادها..
أذكر أنني كنت معها في بعض زياراتها للسوق الشعبي، وأكثر مقتنياتها منه لم تكن تلفت انتباهنا نحن أبناء التراث، والنابتون في بيئته..
حينها كانت النساء يفترشن الأرض، ويبعن ما في حوزتهن، وكنت أتمنى أن يتغير الوضع، وتكون لهن مواقع في السوق، وأن تتنوع مباسطهن نوعا ومضمونا، وأن يصبح مشروعا لهن الوجود ضمن تركيبة هذه الأسواق فلا يضطررن للهرب من ملاحقة، أو مساءلة، ذلك لأن موقفا ما قد تعرضت له بعضهن على مرأى من صديقتي حين لاحقتهن سطوة المنع، فحملن بضاعتهن راكضات، وزج بعضها في عربة ما..
في المرة الأخيرة التي زارت الرياض فيها صديقتي ضمن فريق علمي، ذهبت معها للسوق الشعبي لرغبتها في اقتناء ما استجد وتنوع، كنت معها على درجة من الدهشة الجميلة الدافئة، ذلك لأنني لست من مرتادات السوق إلا نادرا، وذلك لأننا معا وجدنا النساء يعمرن المكان، طاولاتهن المستطيلة وهن يقفن من خلفها تتلألأ، وقد تنوعت بضائعهن، وامتزج التراثي منها بالحديث، وهن يشرحن للمشتريات كيفية استخدام أدوات التجميل، وأجهزة تنظيف البشرة، وبعض أجهزة الطبخ، وتلك الملابس التراثية التي داخلها شيء من التحديث بألوانها الزاهية,وعرضها اللافت,.. بل إن الأكثر من الذي لفتني قبل صديقتي، تلك الطبخات الشعبية الجاهزة التي يعددنها في البيوت، ويحفظنها في آنيات جميلة نظيفة تبعث الشهية لأكلها، وهن يقفن بكل ثقة يبعنها للمتسوقين من الجنسين، وللصغار..
فوجئت أن صديقتي استغرقت في تذوق الأكلات الشعبية، والابتياع من أكثرها، إذ حين جاء وقت انصرافنا، واعدتني لليوم التالي للعودة للسوق، ذلك لأنها لم تبتع في اليوم هذا سوى «الجريش» و«القرصان»، والرقائق المحلاة بالعسل، وفطائر الجبن، واللحم، و«المحلى» من التمر، ومبخرة، وأعواد الطيب،
وأيضا قاعدة من الصفيح الفضي ذات تجويفة مصنعة لاستيعاب الشمع، وغطاء مفرغ علوي لحمل إبريق الشاي، أو حلة القهوة..!!
كان يراود دهشتي أنهم لا يزالون يشغفون بنا، وبما عندنا مما لفظناه، ونسيناه..,
أما نحن فنركض لهثا إلى ما عندهم، حتى أننا مسخنا صورة مطابقة لهم..!!
ويبقى الفارق الوحيد بيننا وبينهم، أنهم يعجبون بما عندنا,
لكنهم لا يتجردون من أنفسهم، ولا يتنكرون لها...!!