د. خالد محمد باطرفي
«الأخ سعودي؟،» سألني أخ عربي في المقعد المجاور بالطائرة.. أجبت: نعم، وعرفته بنفسي! كافأني بابتسامة عريضة وقال: أخوك تونسي، ولا زلت أذكر معرضاً حضرته في لندن، اسمه «السعودية بين الأمس واليوم» مع زملاء عرب وأجانب من جامعتي، وكيف تأثرت بما شهدت، وخاصة عندما وقفت أمام ثوب الكعبة، وبكيت. شعرت يومها بفخر أنني عربي ومسلم، وكدت أدعي أنني سعودي وأنا أطوف بزملائي الأجانب في أنحاء المعرض وأشرح معالمه، وأتكلم عن الإسلام الذي تحمل السعودية رايته، والعروبة التي هي قلبه النابض. لا أخفيك أن هذا لم يكن رأيي في بلادكم من قبل، فقد كنت متأثراً بالدعاية القومية ضدكم، وكنت أرى أن لنا نصيباً في ثرواتكم، وأنكم تهدرونها. وساهم في تأكيد قناعاتي التقارير المسيئة في الصحافة البريطانية، خاصة صحف الإثارة، والأفلام الهليودية وما أراه في شوارع لندن من تبذير واستعراض لبعضكم.
أما بعد المعرض، فقد تبدل رأيي بعد ما شاهدته من إنجازات تنموية مذهلة، لا توجد مثلها في البلدان العربية التي سبقتكم في المدنية، ثم تخلفت، وما حضرته من أنشطة ثقافية مصاحبة، ومن التقيت بهم من مثقفين وأطباء ومهندسين وشخصيات راقية ناقشت معهم هذه التقارير والصور الذهنية عن السعودية، فتكلموا معي بشفافية، وأوضحوا لي أن كثيراً مما يظهر في الإعلام المعادي والممارسات الفردية لبعض السياح لا تمثل ما هي عليه بلاد الحرمين وما هم عليها أهلها.
اختتم الأخ التونسي: «بصراحة أنتم ياعزيزي مقصرون. في بعض بلداننا نحتفل بوضع حجر الأساس لمدرسة ثانوية ويحضر الإعلام والمسؤولون والوجهاء من كل قطاع، ثم قد ينفذ المشروع في الوقت المحدد أو ينضم إلى المشاريع المتعثرة والوعود الخائبة. وعندكم إنجازات تدخل قائمة جينيس للأرقام القياسية لا يسمع عنها أحد. لماذا تواجهون الحملة الضارية ضدكم من الإعلام الصهيوإيراني بالصمت المطبق؟».
لم أحر جواباً.. صحيح، نحن مقصرون إعلامياً في التعريف بمنجزاتنا. عندما كنا أكثر نشاطاً واهتماماً بهذا الجانب حققنا نجاحاً كبيراً. وأذكر أنني شاركت في الأسبوع الثقافي السعودي في الجزائر، عام 1984، واكتشفت صحة ما ذكره الأخ العربي من غياب المعلومة الصحيحة عن بلادنا مع حضور قوي للإعلام المعادي. وخلال أيام فقط استطاع الوفد السعودي الذي شارك فيه مئة وخمسون من المثقفين والفنانين والإعلاميين والأكاديميين انتشروا في جميع المدن الكبيرة والصغيرة أن يكسبوا قلوب الناس وعقولهم، وأن ينقلوا صورة مشرقة عن بلادنا، حتى أن الحفل الختامي في العاصمة، حضره ستة آلاف شاركوا بحماس مع نجوم الحفل يتقدمهم العميد طارق عبدالحكيم والفنان محمد عبده.
لدينا حضور إعلامي مرئي عربي ناجح، تقوده في الخارج مجموعات إعلامية ناجحة، ولكننا بحاجة إلى قوة ناعمة تواكب حضور إعلامنا المرئي المهاجر، تتمثل في الوفود الشعبية والمعارض والأسابيع الثقافية، والمشاركة القوية لكل صاحب علم وثقافة ولسان.
ويخدمنا حضور قوي في قلب كل مسلم وعربي. فعندما يرفع سلمان الحزم راية التحالف العربي والإسلامي تلتف حولها الأمة وتوليه القيادة بكل طمأنينة، وعندما يأم الجمعة إمام الحرم في بنجلاديش، يصلي وراءه مئات الألوف. فمن بلاد الإسلام والعروبة خرج الخلفاء والملوك، القادة والفاتحون، حملة الرسالة وصناع الحضارة، ولا جدال في حقنا وأحقيتنا بالقيادة والريادة.
والعالم يدرك هذه القوة الروحية وهذا الحضور الريادي، ولا يحتاج إلا إن يعرف من نحن كما نحن عليه، لا كما ينقله المشوهون والمغرضون، وبعضهم للأسف من العرب والمسلمين، ومنا. المشكلة هي في غياب الإستراتيجية وخطة التنفيذ والمسؤول عنها، لذا فالحاجة ملحة إلى تحديد جهة توكل إليها الإدارة والإشراف والتنسيق، وأعتقد أن الأقرب للقيام بهذا الدور وزارة الثقافة والإعلام، ووزيرها المثقف والإعلامي، الدكتور عادل الطريفي، بالتعاون مع وزارات الشئون الإسلامية والتعليم والخارجية ومركز الملك عبدالعزيز للحوار.