د. عبدالواحد الحميد
في حين كانت التفاصيل المحزنة للتفجيرات الإرهابية التي حدثت في العاصمة البلجيكية بروكسل، تحتل الواجهة الإعلامية في كل مكان، وتتزاحم مع أخبار الحروب وأعمال العنف والتدمير التي تعصف بالمنطقة العربية، كان هناك خبرٌ يتوارى في الصفحات الداخلية من الصحف وفي ذيل النشرات الإذاعية والتلفزيونية.
فقد أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» أنها بصدد إنشاء قاعدة دائمة على سطح القمر، لكي تتمكن من إجراء تجارب على الفضاء من هناك وتقيم مرافق للتزود بالوقود، مما سوف يقلل من التكاليف التي تتكبدها الوكالة في الوقت الحاضر لإرسال سفن الفضاء ويضاعف الجودة والقدرات والإمكانيات لصناعة الفضاء!
هذه نقلة كبيرة وجديدة تحققها الولايات المتحدة، ويبدو أنّ الأمريكيين الذين يقيمون القواعد في كل بقعة من الكرة الأرضية لا يكتفون بقواعدهم التي على سطح الأرض، وإنما يرغبون أيضاً في إقامة قواعد على سطح القمر وربما المريخ وربما كواكب وأجرام سماوية أخرى!
لم يحظ الخبر بما يستحقه من الاهتمام الإعلامي بسبب أحداث بروكسل وأخبار الحروب والدمار والأزمات السياسية، لكنه ربما يكون هو الأهم لأنه سوف يفتح الآفاق لحقبة جديدة تستمر فيها أمريكا في موقع الريادة على مستوى العالم.
فالحروب وأعمال العنف والنزاعات بين البشر بكل أشكالها لم تتوقف منذ فجر التاريخ، وأينما وُجِد الإنسان كانت تلك البشاعات موجودة. لكن النقلات الكبرى التي حققها الإنسان، مثل غزو الفضاء واختراع الآلات التي سهَّلت الحياة واكتشاف العلاج للأمراض الفتاكة، هي نقلات محدودة يتوقف لها التاريخ وينصت ويسجل حتى وإن طغت عليها الأحداث اليومية وبدت باهتة وقت حدوثها.
المحزن أنه ليس لنا ـ نحن العرب والمسلمون ـ نصيب من هذه النقلات الكبرى فكلها تحدث في «بلاد الكفر»، بينما ارتبط اسمنا بالإرهاب والعنف والحروب.
بوسعنا أن نستمر في خداع أنفسنا وننسب كل مآسينا إلى الآخرين الذين «يتآمرون» علينا، كما لو أننا مسلوبو الإرادة ولا نستطيع أن نقوِّم أخطاءنا، لكن الحقيقة هي أننا نحن الذين نتآمر على أنفسنا، فليس غريباً أن يكون للآخرين مصالحهم، وليس غريباً أن يخططوا للمحافظة على مصالحهم، لكن الغريب هو ما تفعله «داعش» وما يفعله التطاحن المذهبي والطائفي، وهذا العنف الذي أكل الأخضر واليابس في ديار العرب والمسلمين وما فقدناه من سمعة واحترام بين الأمم.
ترى هل سيأتي اليوم الذي يكف فيه العرب والمسلمون عن ممارسة التدمير الذاتي واللحاق بالأمم التي تحقق النقلات الحضارية التاريخية الكبرى للبشرية، مثلما فعلنا ذات يوم في عز تألق حضارتنا العربية الإسلامية!؟