محمد حطيني
تتناقل الأخبار هذه الأيام زيارة وزير الاستخبارات الإيراني، سيد محمود علوي، إلى الكويت طلبا لوساطتها في تخفيف الاحتقان وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الدول الخليجية، وحل خلافاتها معها دون تدخل خارجي. عندما انتهيت من قراءة الأخبار المتعلقة بالزيارة تراءى لي صورة الثورة الخمينية التي حسبناها حينذاك ثورة ستعمل على توحيد القوى الإسلامية وجهودها بما يخدم مصالحها في هذا العالم الذي يشهد تغيرات وتطورات متسارعة وتيرتها مستفحلة خطورتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا على المنطقة وأمنها.
فما إن هدأت الأوضاع واستقرت في الدولة الإيرانية بعد الثورة، إلا وبدأ مسؤولوها بكافة أطيافهم في تنفيذ خططهم الشيطانية في العمل على إثارة القلاقل في المنطقة العربية بدءا من افتعال حرب طالت لثماني سنوات مع العراق وتأجيج الصراع الطائفي بين أبناء الأمة الواحدة في البلد الواحد في المنطقة الواحدة، وفي أكثر من دولة عربية.
إن نظرة واقعية على واقع العلاقات الخليجية الإيرانية لا يستنتج منها بأي حال أي تدخل من جانب الدول الخليجية في الشأن الإيراني بأي شكل كان، والمتتبع للأحداث يرى أن ما صدر عن دول الخليج لا يعد ولم يأت إلا من باب رد فعل من جانبها على ما بدر من أفعال بحقها من الجانب الإيراني الذي دأب على نفث سمومه في المنطقة منذ نجاح ثورته «الإسلامية» كما أطلق عليها زورا وبهتانا، وهو حق طبيعي ومشروع في نواميس الأنظمة الدولية وقوانينها.
وعلى أن الأفعال المتواترة التي صدرت عن إيران بحق الدول العربية منذ قيام ثورتها لا تؤسس لمناخ من الثقة يشكل أساسا يستند إليه في بلورة مبادرة تؤدي إلى تخفيف التوتر والاحتقان في علاقاتها مع دول الخليج، إلا أن إثبات حسن نواياها فيما ترمي إليه يظل عاملا رئيسا وجوهريا في التقديم لجسر الهوة الكبيرة التي تفصل بينها وبين الدول الخليجية، من خلال عدة مبادرات يتوجب عليها القيام بها تجاهها تمهد لبناء مرتكز من الثقة ربما تنطلق دول الخليج منه في النظر بمدى جدية إيران في تصحيح مسار العلاقات معها.
أولى مبادرات حسن النوايا التي ينبغي على إيران القيام بها تقديم ضمانات لدول الخليج برعاية من الأمم المتحدة أو أطراف فاعلة دوليا بأن برنامجها النووي مكرس للأغراض السلمية فحسب، وليس لتهديد جيرانها، وفتح منشآتها للتفتيش من جانب خبراء خليجيين أو غيرهم ممن يتم اختيارهم من قبل الدول الخليجية.
ثاني مبادرات إيران توقفها عن اعتبار نفسها وصية على الشيعة العرب في الدول العربية فهؤلاء عربيو الانتماء قبل أن يكونوا شيعة ينسبون إلى دولهم انتماء لا إلى ايران، باعتبارهم جزء من النسيج الوطني الذي إليه ينتسبون ومنه ينحدرون.
وثالث مبادرات إيران في حسن نواياها إيقاف تدخلها دون قيد أو شرط في الدول العربية التي أوجدت لها فيها موطىء قدم في العراق ولبنان وسوريا واليمن وقبل ذاك الاعتذار عن أفعالها بحق الدول الخليجية كافة، بدءا من الخلايا النائمة ودعم الأعمال الإرهابية في أكثر من دولة خليجية، إلى كيل اتهامات لا أساس لها للمملكة العربية السعودية، علاوة على اعتذارها عن كل ما بدر منها بحق المملكة من ضرر وأذى جسيمين في أكثر من مناسبة في الحج وفي إيران نفسها وغيرها من الأفعال. وفيما خلا ذلك، فإن ما كل ما تقوم به إيران لا يمكن اعتباره إلا بابا من المناورات السياسية التي تستغلها لتنفيذ مخططاتها الخبيثة وتحقيق مآربها في المنطقة وهو ما ستقف له الدول الخليجية وشقيقاتها العربيات بالمرصاد.