علي الصحن
أعتقد أن أي منتمٍ للوسط الرياضي أو محب لرياضة الوطن وما يحقق مصالحها ويرفع من شأنها سعيد بالحراك الأخير في الرئاسة العامة لرعاية الشباب والخاص بتصنيف الأندية، ودراسة العدد المناسب منها وتصنيفها والأندية المتخصصة في بعض الألعاب وتطوير مقترح الأندية التجارية في المملكة وتحديد المعايير الخاصة بذلك.
لقد مر زمن طويل على بداية الرياضة في السعودية وتأسيس الأندية، وخلال هذا الزمن لم يتطور النظام فيما يخص هذه الأندية والعاملين فيها وألعابها إلا ما ندر، وبقيت المسؤولية تجاهها مشتتة بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب كمرجعية عليا، ثم المكاتب الرئيسية والفرعية في مناطق ومحافظات المملكة كإشراف مباشر على الأندية وجمعياتها العمومية وتسجيل لاعبيها والإشراف على منافساتها على مستوى المكتب، وبين اتحادات الألعاب المختلفة التي تنظم وتشرف على المسابقات على مستوى المملكة وعلى تطوير اللعبة (!!) والحكام وإقامة الدورات المتخصصة وخلافة.
وسط هذا الشتات ظلت معظم الأندية تراوح مكانها في معظم الألعاب الجماعية والفردية، وبقي الهدف غير المعلن لبعض أندية الظل هو استمرارية الوجود دون منافسة أو رغبة حقيقية في المنافسة في معظم الألعاب، وهنا قد تكون هذه الأندية قد حققت أهدافاً فرعية من تأسيسها ووجودها، غير أنها بقيت صفراً فيما يتعلق بالهدف الرئيسي لها كأندية رياضية وهو المنافسة وتقديم لاعبين مميزين يخدمون الوطن في المسابقات الدولية.
إن إعادة دراسة واقع الأندية السعودية وتصنيفها يجب أن يكون البوابة الأولى التي تنتقل منها الألعاب السعودية من مرحلة المشاركة وتسجيل الحضور في المنافسات الدولية إلى مرحلة المنافسة وتحقيق الألقاب والميداليات، ولن أفرط في التفاؤل، ولكن أقول إن حال الأندية اليوم وعجزها عن تسيير أمورها المالية وانتظارها الإعانة المالية من الدولة وهبات بعض الشرفيين والداعمين لن يحقق ولن يضيف شيئاً على المدى البعيد، الأندية اليوم وقبلها الرئاسة العامة لرعاية الشباب يجب أن تنتقل إلى مرحلة التفكير الاقتصادي الجاد الذي يضمن تقديم الخدمة بكفاءة وفاعلية (المنافسة والبطولات) وعوائد إضافية (الأرباح)... وهذا لن يتم من خلال الإدارة الحالية للأندية ولا سيما غير الجماهيرية منها.
تفعيل الأندية التجارية وأندية الشركات والمراكز الرياضية المتخصصة، يجب أن يكون واقعاً خلال المدى القصير، والنادي الذي يسجل أكثر من (10) ألعاب يجب أن يكون من الماضي إلا إذا كان منافساً حقيقياً عليها، والأمر يجب أن يخرج من ربقة المكاتب والدراسات والأوراق إلى أرض الواقع اليوم قبل الغد.
في المؤتمر الأخير لسمو الرئيس العام لرعاية الشباب وفريق العمل المكلف بدراسة العدد المناسب من الأندية السعودية كشف عن أمور توضح كيف تدار الأمور في الأندية.. ناد لم يسجل إلا لاعباً واحداً في لعبة جماعية، وناد لا يملك طاولة تنس!! وأضيف من خلال متابعة.. مكتب من مكاتب الرئاسة لا يشارك في بطولته الرئيسة لكرة القدم إلا فريقين!! ومدينة مثل الرياض لا يوجد بها فريق كرة يد منافس رغم أن اللعبة من أبرز الألعاب وأكثرها حضوراً ومنافسة، وأندية تقوم على لاعبين يتدربون خارج المقر الرئيس للنادي، وأخرى لا تستطيع تسجيل العدد الكافي من اللاعبين في بعض الألعاب وهو ما أمكن سده في الماضي بالسماح بالقيد بلعبة جماعية وأخرى فردية، لكنه اليوم لم يعد ممكناً، وأندية تملك مقار فخمة ومع ذلك فلا نتائج ولا بطولات ولا مساهمة بتقديم ولو لاعب واحد في أي لعبة.
ما سبق يؤكد ضرورة فتح المجال للشركات ورجال الأعمال في تأسيس أندية تجارية تمنح حق المشاركة في بطولات الاتحادات المختلفة وأزعم هنا أنها ستساهم في تطوير جميع الألعاب والدفع بها للأمام.. لأنها تملك أمرين مهمين يحتاجهما أي مشروع.. المال والتخصص.
مثلاً.. شركة من شركات الاتصالات القائمة تدفع أكثر من 100 مليون للاستثمار والشراكة والإعلان في الشارع الرياضي هذه الأيَّام يمكن أن تستثمر في المشاركة الرياضية وتقدم فريقاً يلعب باسمها في أي من المنافسات المحلية فتسوق للاسم وتكون دعاية غير مباشرة لها، وتسهم في تطوير اللعبة التي تشارك فيها لأنّها ستكون قادرة من خلال إيراداتها على إحضار أفضل المدربين وجذب لاعبين مميزين.
ربما يأتي رجل أعمال ميسور من بلدة غير ذائعة الصيت ويريد أن يرفع من شأن بلدته ويقدم فريقاً للعبة ما باسم البلدة ويجعل مقره الرئيس في تلك البلد، ويقدم من المال والدعم ما يكفل تطوير الفريق وبالتالي فستكون الفائدة مزدوجة للبلدة واللعبة وزيادة مساحة التنافس فيها.
الألعاب الفردية تتحول إلى مراكز متخصصة بكل لعبة مقابل رسوم مناسبة مع السماح للأندية القائمة حالياً والمنافسة بشكل حقيقي بالاستمرارية وفق اشتراطات ومعايير تحدد أطر مشاركتها واستمرار تواجدها في المستقبل.
الأندية الحالية.. مثل ناد في الرياض أو الشرقية أو القصيم وغير منافس في أي لعبة غير كرة القدم - إن كان منافساً - ويملك مقرا نموذجيا، لماذا لا يتخصص في لعبة أو لعبتين وباقي المنشآت تؤجر بإشراف من الرئاسة والجهات المختصة على الشركات الراغبة في دخول المنافسات الرياضية..؟
الأندية في المحافظات لماذا لا تستفيد من ملاعبها التي تتوقف فيها الحياة أكثر من (7) أشهر.. فتتحول من أندية منافسة إلى ممارسة وتؤجر هذه الملاعب على الجهات الراغبة في ذلك وتستفيد من الإيرادات في تطوير الألعاب الفردية التي يمكن تطويرها وتقديم نجوم مميزين من خلالها؟.
الموارد البشرية وهي الأهم تخصص من خلال إيرادات الأندية ورسوم تسجيلها في المستقبل مبالغ كافية لتطويرها وتدريبها وتهيئتها للإدارة الرياضية الحقيقية بدلاً من الاجتهادات القائمة حالياً في معظم الأندية والتي يتولى متطوعون غير متخصصين أعمال إدارتها.. وهم أُناس يشكرون على كل حال.. لكننا في الزمن يكون فيه السؤال الأول: ما النتيجة وما العائد من هذا الجهد والعمل؟؟
أعود إلى حيث بدأت، وأقول: لقد مر زمن طويل على بداية الرياضة في السعودية وتأسيس الأندية، وخلال هذا الزمن لم يتطور النظام فيما يخص هذه الأندية والعاملين فيها وألعابها إلا ما ندر، وهو الأمر الذي يجب ان نضع الحلول المناسبة العاجلة وأن نفعلها، ونجعلها واقعاً وإن واجه بعض العقبات.. له قبل أن يفوت رياضتنا قطار المنافسة السريع.