محمد المنيف
لا شك أننا في عالم متحرك لا يهدأ أو يتراجع عن التقدم والتغير والتبدل، لكننا أيضاً لا نرى في أن التبدل على حساب إضاعة الخبرات والتجارب السابقة شيء من العدل، ما نراه من قفز بعض الفنانين على ما سبق من تجاربهم وخبراتهم يثير الاستغراب وكأني بهم يميلون للقول إن الغاية تبرر الوسيلة، وهو المبدأ الخطأ، ونعني به أن ما عنوا به من قفزهم على تجاربهم والتقليد الجديد الذي عاد من الستينيات الميلادية بعد اندثاره وعدم جدواه ليجد بيئته التي لا تفرق بين الجميل والقبيح وتبحث عن المثير للاشمئزاز وجد فيها أصحاب منهج التغريب فرصة لدس السموم في الدسم، ومحاولة إذابة ومحو ثقافتنا وإبعادها عن أصالتها.
أعمال بعيدة كل البعد عن ما عرفوا به من أعمال سابقة كانت ولا زالت تحمل بصماتهم، تمكنهم من أن يكون لهم مكانتهم مهما تغير الزمن وظهرت نزعات وأساليب وسبل تنفيذ، كما أن غالبية تلك الأساليب ولدت في فترة حداثة الفنون المحلية تتناسب وتساير الجديد بما فيها من عناوين ورموز للهوية تراثاً ومصادر إلهام، فما نشاهده من نقلات سريعة وطويلة الخطوة والقفز على ما اعتدنا عليها من رسم لمسار تطور تجارب وخبرات أولئك الفنانين، واتباعهم لبعض ما يحدث في الساحة التي برزت كفقاعات صابون انتهت قبل أن تبدأ ورفضت من المثقفين قبل العامة كما حدث لها وقت ولادتها المشوهة في تاريخ الفن.
لا شك أن التطور وما يحدث في الحياة عامة ينعكس على الفنون، لكن الأمر يتعلق بثقافة المجتمعات وما يتوجب على الفنانين أن يضعوه في الاعتبار لا أن يقدموا ما لا يتوافق مع أهداف الفن ورسالته في مجتمعه، إلى هنا ونصل إلى طرح السؤال.. هل خروج هذه الفئة أو البعض من الفنانين من دائرة تجاربهم التي تسير بشكل متواصل نحو التطوير دون اخلال بمراحلها التي بنوها عبر سنوات تتضمن الفكرة وقوة التنفيذ إلى حالة مغايرة في الشكل والمواضيع بحثاً عن موقع قدم أو مساحة من الحضور مع ما يدور في الساحة من الأعمال الهزيلة التي ليس لها قاعدة من التجارب أو يمتلك أصحابها شيئا من الثقافة وفهم ما يعنيه العمل الفني واهمية الخبرة وعمق التجربة.
نختم بالقول إن من خرج من داره وترك إبداعه الذي عرف من خلاله وحقق به حضوراً محلياً وعربياً سيقلل من تقدير كل من بناهم من المقتنين الحريصين على ان يحظوا بالكثير من ابداعاته.