هاني سالم مسهور
الصراع في المنطقة العربية يتعدى الخلافات التقليدية التي عرفت في تاريخ العلاقة بين السنة والشيعة، فالصراع ينطلق في الأساس من حقائق سياسية واستراتيجية حيث تعمل إيران على توسيع نفوذها في كثير من البلاد العربية وتكريس نفسها كقوة فوق الإقليمية.
توظف إيران بعض القوى في هذه البلدان لتضعف التماسك الوطني فيها بحيث يسهل اختراقها تحت ذرائع مختلفة من ضمنها حماية الأقليات الشيعية، وفي مواجهة هذه السياسة الخرقاء تجري مقاومة هذا التوسع على قاعدة شعبية واسعة ورؤى سياسية وطنية أكثر عمقاً، على الرغم من أن هناك بعض من جيوب مقاومة هذه السياسة التوسعية الإيرانية تقع في فخ نفس المنطق الانقسامي الطائفي الذي تعتمد عليه إيران لتمزيق النسيج الوطني لهذه البلدان.
إن نظرة سريعة إلى خارطة الصراع في المنطقة العربية سنجد أن إيران موجودة في كل مكان فهي موجودة في العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي البحرين وفي اليمن.
فمشروع تكسير الدولة الوطنية العربية يجري على قدم وساق وتتولاه إيران بالأصالة عن نفسها ونيابة عن آخرين، ثم يأتي من يقول لنا إن الصراع ( سني / شيعي ). . وهنا لابد من توقف فلا يمكن القبول بهذا التصنيف للصراع لأنه في الأساس صراع بين مشروعين الاول مشروع بناء الدولة الوطنية ومشروع تكسير هذه الدولة.
السنة والشيعة عاشوا قروناً طويلة وناضلوا معاً في أكثر المراحل تعقيداً من أجل المشروع الوطني في أكثر من بلد عربي، وعندما تعرض هذا المشروع للتخريب لأسباب ارتبطت بسوء إدارته، بدأ الآخرون بتنفيذ المشروع الآخر البديل وهو المشروع التمزيقي الطائفي الذي وجدت فيه إيران فرصتها للانقضاض على الدولة الوطنية بتوظيف الجيوب التي رعتها في هذه البلدان كما حدث في اليمن والعراق ولبنان، أو بدعم نخب الحكم التي فشلت في إدارة المشروع الوطني كما حدث في سوريا.
وما يحدث في اليمن هو نموذج حي لتنفيذ هذا المشروع التفكيكي وخاصة بعد أن شهد اليمن عملية سياسية وحواراً ناجحين بكل المقاييس، وعندما بدا أن المشروع الوطني على وشك أن ينشئ الدولة الوطنية تلبية لثورة فبراير 2011 تدخلت إيران عبر تحالف الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح لإجهاض هذه العملية التاريخية التي كانت عملياً في طور الانتقال نحو بناء الدولة الاتحادية.
هنا وفي حالة اليمن كمثال من أمثلة التشظي العربي يمكننا التأكيد على ان الحالة ليست صراعاً مذهبياً، وليست تصادماً بين السنة والشيعة، وفي اليمن يصنف الطرفين تحت أسمين هما (الشوافع والزيود)، وهذا الصراع الغائب حقيقة في اليمن يؤكد تماماً ما جاء في سياق تكسير المشروع الوطني وإغراق البلاد العربية في الحروب والصراعات والتفكيك.
المتغيرات الناشئة منذ إطلاق عاصفة الحزم في آواخر آذار / مارس 2015م هي إطار مختلف تم تدشينه بقرار يحمل أبعادا واسعة كما يحمل مضامين عميقة قد لا تجد في ذهنية العرب المعاصرين لتفاصيل العملية الدقيقة في اليمن على مدار عام متسعاً لاستفهامات الغايات والمقاصد التي تضرب مشروع الأمن القومي العربي خاصة بعد ان تمكنت الرياض إستراتيجياً من تحقيق أهدافها الكبرى والماثلة في ملء الفراغ القيادي للعالم العربي والإمساك بزمام المبادرة السياسية في الشرق الأوسط، كما أن نجاح الرياض في السيطرة الكاملة على مضيق باب المندب البحري يعد انتصاراً عربياً يوازي عبور الجيش المصري لقناة السويس في حرب اكتوبر 1973م، هذه الأهداف تضاف إليها ليس فقط مقاومة المشروع المضاد بمقدار دعم الدول العربية في بناء تركيبتها السياسية ووضع حدٍ للتشققات في البنية السياسية للدولة الوطنية.