عبدالحميد جابر الحمادي
نشأ والدي يتيم الأب بمنطقة عسير، وتحديداً باحة ربيعة ورفيدة، وهي تتبع إدارياً لمركز طبب التابع لإمارة منطقة عسير، وهي بقعة زراعية جميلة، وتبعد خمسة كيلومترات تقريبا عن منتزه السودة الشهير، حيث ترعرع في كنف والدته -رحمها الله- ثم تلقى تعليمه العام، جزءا منه في أبها، وآخر بعد انتقاله إلى الرياض، ليلتحق بعد ذلك بمجموعة من الأعمال والوظائف من أجل إيجاد لقمة عيش تكفيه وتغنيه وكان ذلك قبل قرابة الأربعين عاماً، حيث عمل في بعض المؤسسات والشركات لينتقل بعدها ويلتحق بالعمل الحكومي في وزارة المالية، واستمر فيها قرابة ثمانية وثلاثين عاماً وتقاعد بوظيفة مراقب عام مالي بالمرتبة الثالثة عشرة، وتقاعد من الوظيفة الحكومية يحمل شهادات في المثل العليا والقيم النبيلة من الانضباط والأمانة والصدق والإخلاص والنزاهة والوطنية.
كانت مسيرة والدي مليئة بالتحديات والصعوبات فمنها فقدانه في بداية مشوار حياته لاثنين من إخوانه، فالأول أخيه محمد بن مانع الذي أنجب خمساً من البنات وولداً وحيداً، تولى حينها والدي -حفظه الله- رعايتهم والقيام بشئونهم بجانب ما كان يقوم به أقاربهم من جهة أمهم، فكان يخصص رحلة كل شهر أو الشهرين للسفر من الرياض إلى أبها لمتابعتهم دراسياً وتربوياً فكان بمثابة أب يمدهم بالحب والرعاية والرأفة ومكث على ذلك زمناً طويلاً حتى أتموا دراستهم وتخرجوا وأكملوا مشوارهم التعليمي وحصلوا على الشهادة الجامعية وأشرف على تزويج البنات منهم حتى رزقوا جميعاً وهو يرى في تلك المسئوليات والواجبات وفاء لمصداقية حبه لأخيه محمد رحمه
-الله تعالى- الذي يراه حاضراً في قلبه عند كل لحظة يأتي فيها ذكر بعض مواقفه أثناء حياته.
وشاءت الأقدار وينتقل أخاه الأكبر الشيخ عبدالله بن مانع الذي كان يعمل بإخلاص في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أبها قبل قرابة الأربعين بعد أن انتقل للعلاج في الرياض ووافاه الأجل أثناء فترة علاجه، فيترك مجموعة من الأبناء ليتولى والدنا جميعاً والدي بعطفه وحبه وإخلاصه مسيرتهم العلمية والعملية والاجتماعية حتى استقلوا وتزوجوا وأصبحوا في أسرهم آباء كرما.
ولقد استمر والدي في الوفاء مع أخته وشقيقته الكبرى «أم أحمد» والدة الدكتور الاستشاري أحمد حسن المتحمي فكان دائم الزيارة لها والعناية بشئونها واستقبالها وتقديرها ومعاملتها كأمه الثانية بأشكال وصور الوفاء والمحبة كافة إلى أن توفاها الله تعالى بعد معاناة من المرض في عام 1423هـ، تغمدها الله بواسع رحمته.
واستمر الوفاء والبر في والدي -رعاه الله- مع آخر إخوانه أحمد بن مانع الذي بقي يعيش في موطن الآباء والأجداد بباحة ربيعة ورفيدة -آل عاصمي- فكان يواظب على الاتصال عليه والسفر إليه والبقاء عنده بشكل مستمر ودائم ليلتقي فيه ويجلس معه ويطمئن عليه ويستأنسا بذكر الطرف والقصص والذكريات، واستمر على ذلك الحال إلى أن توفاه الله تعالى في عام 1434هـ فكان بمثابة صدمة لنا جميعاً.
أما أسرة والدي الصغيرة التي أنجب فيها ستة أبناء وثلاث بنات، فقد بذل كل ما يملكه من مال وجهد ووقت ليرعاها كما أمره ربه عز وجل، لذا فقد أكرمه الله تعالى ليرى كل أبنائه قد تخرجوا من الجامعة ذكورا وإناثا كحد أدنى لتعليمهم، وفيهم من نال درجة الدكتوراه والماجستير، وهذا ثمرة جهد ومتابعة وتوجيه أفنى عمره في تحقيق ذلك بالمال والوقت والمتابعة، فلم نراه سوى قدوة لنا في المسجد يدخل أول المصلين ويخرج آخرهم متعبدا متنسكا صابرا على طاعة الله، بعيدا عن محارمه، متجنبا السهر والسفر واللغو، حريصا على المثالية التي ترضي الله -عز وجل- وتقربه إلى الناس، كريماً بماله وجاهه ووقته.
مقالة متواضعة تحمل بين أسطرها أحرف وكلمات امتنان وعرفان أرفعها إلى -حضرة والدي- ليقرأها من قلم ابنه صباح هذا اليوم بالنيابة عن أولاده جميعاً، فجزاه الله عنا كل خير وأثابه على ما قدم.