تركي بن إبراهيم الماضي
(يروى أن معاوية رضي الله عنه قال ذات يوم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: يا عمرو ما بلغ بك دهاؤك، فقال عمرو: والله يا أمير المؤمنين ما وقعت في مشكلة إلا وخرجت منها، فقال له معاوية: أما أنا فكان دهائي حرزاً لي من أن أقع فيما يسوءني).
معاوية وعمرو رضي الله عنهما يمثلان مدرستين مختلفتين في القيادة. كلتا المدرستين لها رؤيتها وفلسفتها الخاصة. وكلتاهما تتعامل مع المشكلة - أي مشكلة - بطريقة مختلفة. ولا يمكن أن نقول إن إحداهما أفضل من الأخرى، لأن التفضيل هنا يعود للشخص نفسه في اختيار ما يناسب قدراته ومواهبه، وإلا فإن المدرستين تعطيان النتائج نفسها، لكنهما تختلفان في طريقة إدارة المشكلة أو الأزمة الحاصلة.
تتخذ المدرسة الأولى التي يمثلها معاوية رضي الله عنه مبدأ الحيطة والحذر في التعامل مع أي مشكلة، وتبدو متحفظة وبطيئة الفعل. وهذه المدرسة لا تبدأ الفعل، وإن بادرت بذلك نادراً، فإنه لتدارك مشكلة قد تجر معها مشكلات أخرى. لذا فإن الرؤية التي تقدمها هذه المدرسة تتلخص في ردة الفعل، واختيار التوقيت المناسب، والأدوات المناسبة التي تجعل من الرد أقوى من الفعل نفسه، وأكثر منه تأثيراً وفاعلية.
في المدرسة الأخرى، التي يمثلها عمرو رضي الله عنه تتبع نهجاً مختلفاً. فهي تمسك بالمبادرة ابتداء، حيث أنها من تبدأ الفعل في أي مشكلة تواجهها. السمة المهمة في هذه المدرسة هي الجرأة، وتعني الشجاعة من غير تهور، أو المغامرة محسوبة العواقب. لا يمكن التنبؤ بما يفعله القائد المنتمي لهذه المدرسة، لأنه هو من يفرض الواقع على من حوله، حتى يستجيبوا لهذا الواقع، ومن ثم يخضعوا لما يريده. ليس شرطاً أن تكون القوة وحدها هي الباعث لهذا الفعل، وإن كانت سبباً أساسياً له، ضمن أسباب أخرى.
ميزة المدرسة الأولى الهدوء، والسكون، وعدم التفاعل إلا فيما يتطلب الدخول فيه عنوة لا اختياراً، وذلك ما يمثله قول معاوية رضي الله عنه: «إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها».
فيما تبدو المدرسة الأخرى متحركة، وتدخل في المشكلات - حتى وإن كانت غير مهددة لها - لأن الحركة والتفاعل، تمنحها القدرة على أن تكون في قلب الحدث غالباً، مشاركة فيه، ومساهمة بما تراه يخدم مصالحها.
كلتا المدرستين تمثل رأياً صحيحاً في التعامل مع المشكلات، لكنهما تختلفان في طبيعة التفاعل مع هذه المشكلات، من حيث البدء بالفعل أو الانتظار المناسب لردة الفعل.
على مستوى الحكومات، تفضل غالبيتها المدرسة الأولى، لأنها تتجنب ما لا يخصها، ولا يحملها تكلفة مادية أو بشرية، فيما تبدو قلة من الحكومات من تتبع المدرسة الأخرى، لأن ذلك يتطلب شروطاً عدة، وإمكانات اقتصادية وعسكرية تؤهلها لأن تحمل المبادرة، ولأن يقبل منها المجتمع الدولي مسؤوليتها فيما بادرت به.
إذن: ليس السؤال عن أيهما أفضل خياراً؟ بل أيهما أفضل مناسبة لحجم وقدرة الدولة؟ وأيهما أنسب لشخصية القائد ونفسيته؟