د.ثريا العريض
قال لي أحد الزملاء منزعجاً: أصبح ما يصلنا من أخبار متناقلة مثل نكتة 1 أبريل لا تكاد تسمعها وتصدقها إلا ويتم نفيها أو توضيح أنها إشاعات مختلقة للإفزاع أو الإضحاك أو البلبلة.. حتى مصادر الإعلام الرسمية لا يعتمد على ما تنقل.
ملاحظة صحيحة تضع كل خبر نسمعه على محك انتظار حتى يثبت التأكد منه. ولا أعرف هل نصنف وسائل الإعلام كضحية أو مقترف للبلبلة.
لنبدأ بمراجعة سريعة للتقنية الإعلامية:
ربما بدأت صناعة الإعلام الحديث باختراع الآلة الطابعة التي نقلت النشر من خط مخطوطات نادرة يتم يدوياً, إلى قدرة إنتاج نسخ كثيرة توزع بانتظام على آلاف المشتركين في خدمة التوزيع. ويبدو أن ذلك أيضاً يتغير.
جريدة الإندبندنت البريطانية توقفت عن الصدور بصيغتها الورقية. والمتوقع أن الصحف الورقية كلها في الطريق للتحول إلى إليكترونية لأنها لا تستطيع المنافسة في أجواء التقنيات الحديثة لتوصل آخر المستجدات والتطورات على مدار الساعة. و لخدمة الهدف الأصلي من إنشائها عليها أن تتحول أو تموت بالاختناق الاقتصادي. ومرونة التحول مطلوبة للبقاء.
هذه المرونة مطلوبة من كل وسائل الإعلام التي جاءت بعد الصحف.
تبذل الدول والمؤسسات الإعلامية الكثير من الجهد والمال في برامجها الإعلامية.. وقد تطورت على مدى قرن من الزمان من الراديو إلى الترانزيستور المتنقل إلى التلفزيون الأبيض والأسود إلى الملون إلى الفضائيات بدئاً بعام 1990 مع حرب الخليج الثانية وظهور السي أن أن إلى أن انتشرت الفضائيات الدولية وتعددت لتبث بعدة لغات.
خلال كل هذا كان تفاعل المتلقي مع مصدر البث محدوداً.. هو يسمع أو يرى الخبر كما يأتي, ولا يمكنه التفاعل الحي مباشرة. فيقتصر تفاعله بالتعليق كتابة أو التحاور مع من حوله أو بغيير المؤشر إلى قناة أخرى أو بإغلاق الراديو أو التلفزيون إعلاناً بأنه لا يصدق ما سمع أو رأى.
إلا أن نقطة التحول المفصلية في الوصول إلى الخبر والمعلومة جاءت حديثاً مع انتشار الإنترنت, وإمكانية التواصل السريع والمباشر عبر جهاز الكومبيوتر. معها تصاعد حوار الساحات واستخدام محركات البحث للوصول إلى المعلومة. وبانتشار اليوتيوب أصبح بالإمكان بث مقاطع فردية لا تخضع للتدقيق من حيث صحتها.. ثم باختراع الهاتف الجوال وإضافة المسجل الصوتي و الكاميرا صار بالإمكان أن يحمل كل فرد في جيبه جهازاً شخصياً تتكامل فيه كل وسائل الإنتاج والإخراج و البث والتواصل المباشر.
الإنتاج يتم بالتصوير المباشر للحدث بالموبايل أو باليوتيوب, والنقل والانتشار الآن يتم بالتويتر والواتسآب، ويتيح للناس آن يتداخلوا في صناعة مادة الإعلام وبالحوار والتعليق.
وما ينتج محلياً في أي موقع من العالم ينتشر بسرعة البرق إلى كل الأصقاع، مع انعدام أو محدودية قدرة الرقيب وتحديد خطوط حمراء. البعض يمارسه للمتعة والبعض للتسويق والبعض لأهداف أخطر كترويج المحظورات والتأجيج والاستقطاب والتجنيد.
صارت هناك جرائم معلوماتية كالقذف والتشهير وتدوير تسجيلات صوتية بمعلومات ملفقة لتدمير أفراد مستهدفين بسبب مناصبهم أو انتماءاتهم الإيديولوجية أو الفكرية.
ما يحدث لا يضحك أو يفزع فقط بل قد يتحول الى كابوس مدمر.
فأين يقع إعلامنا والجمهور في هذه المعمعة؟..
هل تطور وعينا حضارياً، واستعدادنا مؤسساتياً للتعامل مع كل هذا؟..
أواصل معكم بعد غد،،،