د.عبدالعزيز الجار الله
بعض دول العالم أعادت رسم خرائط وأطالس مدنها ومحافظاتها ونواحيها الحضرية وفقاً لمرتكزاتها الاقتصادية والتجارية الجديدة، ووفقاً لمتغيرات في المعطيات بعد أن كان الاستيطان القديم يقوم على مخاوف أمنية والقرب من مساقط المياه ومصادرها العذبة، وخطوط الطرق التجارية القديمة البحرية وطرق القوافل البرية .
في الزمن الحاضر تغيرت جميع النظريات والمعطيات التي كانت سائدة في العالم القديم، وبلادنا جزء من العالم الحديث التي تغيرت داخله جميع الأنظمة الاستيطانية التي كانت سائدة في العالم القديم: خطوط طرق التجارة، وسائل النقل، مصادر المياه. أضيف لها معايير جديدة: مصادر طاقة الكهرباء. الصناعات البترولية، شركات التعدين الكبرى، الموانئ البحرية، تنويع مصادر الدخل، أنظمة الخصخصة، وأخيراً الرغبة في التحول الوطني عبر الاقتصاد.
فرضت تحلية المياه المالحة من البحار مرتكزاً جديداً في تأسيس المدن، ومستقبل المدن إما الانتعاش أو التضاؤل، وأصبح البعد والقرب من الشواطئ البحرية والجزر والخلجان هو معيار الاستمرار والانحسار، فالقرب من البحار سيؤمِّن للمدن أهم العناصر الحيوية : المياه العذبة، وطاقة الكهرباء، والميناء التجاري، والقرب من خطوط التجارة البحرية، والسفن الضخمة الناقلة للتجارة العالمية. أما البعد عن الشواطئ والبحار سيكون زيادة في الكلفة المالية والوقت والصيانة وطول خطوط الخدمات.
إذن أصبح المستقبل لصالح المدن الساحلية لقربها من أهم ثلاثة مصادر هي:
المياه العذبة تحلية مياه البحر.
الطاقة الكهربائية.
الموانئ التجارية على الشواطئ البحرية.
يضاف للساحل الغربي للمملكة وجود العامل الأقوى جذباً هما المدينتان المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي الساحل الشرقي وجود أهم المصادر الاقتصادية النفط والغاز والصناعة النفطية.
يبقى المحور الأوسط مدن وسط المملكة، فقد كان وسط الجزيرة العربية تاريخياً ومازال العمق الاستراتيجي لجزيرة العرب، كان تاريخياً الملاذ الآمن لمعظم دول الحضارات القديمة من داخل الجزيرة العربية، ومن خارجها دول العراق والشام والضفة الشرقية للخليج العربي، فمدن المحور الأوسط في المملكة يتلقى تغذيته من المياه عبر التحلية، وطاقة الكهرباء والبضائع الدولية من الساحل الشرقي تقريباً، فالقرب والبعد من الساحل الشرقي يحدد استمرارية النماء من انخفاضه، وفي الآونة الأخيرة برز بشكل إيجابي عامل قطارات الركاب والبضاع لربط مدن المصدر في الشرقية ربطها بمدن الوسط مما سيخلق واقعاً جديداً لمدن المملكة الداخلية.