د. عبدالواحد الحميد
تحقق المرأة السعودية، والمرأة الخليجية عموماً، إنجازات هائلة لتطوير نفسها ومجتمعها، وأصبح لها حضورٌ ملموس في الحياة العامة وخدمة المجتمع. وليس سراً أن المرأة تفوقت على الرجل في مجال التحصيل العلمي على الرغم من المعوقات الاجتماعية الكثيرة التي تعترض طريقها.
ويتصادف نشر بعض المقالات عن مهندسات سعوديات في أرامكو وبعض الأجهزة الأخرى مع وفاة المهندسة المعمارية العالمية «زَهَا حديد»، وهي امرأة عراقية هاجرت منذ عدة عقود من بلدها العراق ودرست الهندسة المعمارية في عدة بلدان، لكنها استقرت في النهاية في بريطانيا واكتسبت شهرة عالمية من خلال مشاريعها التي تم تنفيذها في جميع أنحاء العالم.
في مقابلة تلفزيونية أرشيفية تحدثت «زها حديد» عن معاناتها كامرأة عربية كانت تصطدم دائماً بالمعوقات، فتذكرت المعوقات التي لازالت تعترض طريق المرأة السعودية والخليجية وهي التي لا تقارن بالحالة العراقية وخصوصاً في الفترة الزمنية التي نشأت فيها الطفلة والفتاة العراقية زها حديد.
لقد كان العراق، في ذلك الزمن البعيد، متفوقاً على كثير من البلدان العربية وعلى جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي في إتاحة الفرصة للمرأة للتعلم والعمل والمساهمة في الحياة العامة.
وبالمصادفة، سمعت قبل أيام من الدكتور سلمان بن راشد الزياني، وهو زميلي من البحرين في الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن إحدى بنات عمومته وهي السيدة فاطمة بنت علي بن إبراهيم الزياني المولودة في العقد الثاني من القرن الميلادي الماضي كانت تتألم للأوضاع الصحية التي تعاني منها النساء في البحرين، فعملت المستحيل كي تتعلم ثم سافرت إلى العراق في عام 1937 كي تدرس مهنة التمريض، وبالفعل درست وتخرجت عام 1941.
ويمثل كفاحها بعد ذلك، وعلى مدى سنوات عمرها، من أجل المجتمع البحريني قصة ملهمة للفتاة الخليجية. فقد مارست مهنة التمريض والتطبيب والتوليد للنساء ومعالجة وتمريض الفقراء بشكل خاص في جميع قرى ومناطق البحرين وليس فقط في المستشفى في العاصمة. فعندما شعرت أن سكان القرى لا يستطيعون الوصول إلى المستشفى بالعاصمة، تقدمت إلى حاكم البحرين في ذلك الوقت الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وطلبت منه أن يسمح لها بقيادة السيارة لكي تتجول في القرى وتصل إلى الناس المحتاجين وخاصة النساء، فأمر الشيخ حمد بإصدار رخصة قيادة لها في عام 1947 وكانت أول إمرأة تحصل على رخصة قيادة سيارة في البحرين.
فاطمة الزياني رحمها الله تعلمت في العراق وكانت نموذجاً للفتاة الخليجية التي تريد أن تخدم مجتمعها. لكن، سبحان الله، الدنيا لا تستقر على حال، فواقع المرأة العراقية في الظرف الأمني والسياسي الحالي لبلادها ليس على مايرام، وهذا بالطبع لا يلغي المكتسبات التراكمية التي حققتها المرأة العراقية عبر الزمن.
هذه الخواطر جالت في خاطري، كما يقال، وأنا أشاهد المرأة الخليجية تتقدم رغم كل المعوقات، وقد صارت في طليعة الصفوف في كثير من المجالات بالمقارنة مع أوضاع بعض النساء العربيات اللاتي كُنَّ يسبقنها لأن المرأة الخليجية تعلمت واثبتت جدارتها في مجتمع يتمتع بنعمة الاستقرار والأمن، وخير شاهد على ذلك ما تحققه الطبيبة السعودية من إنجازات، ولكن يظل الطريق طويلاً، ومن سار على الدرب وصل.