د. عبدالرحمن الشلاش
وجود الرؤية الواضحة لدى المسؤول من أهم صفات القائد الناجح، والرؤية هي البداية الفعلية للتخطيط، وعلى مدى وضوحها وواقعيتها يتحقق النجاح أو الفشل.
جاء حوار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد مع وكالة «بلومبيرج « وبالذات ما يخص تأسيس صندوق سيادي ضخم بقيمة تريليوني دولار لمرحلة ما بعد النفط في الوقت المناسب حيث يمر العالم بتقلبات اقتصادية متسارعة تستدعي التعامل معها بطريقة عملية دقيقة.
التجارب الطويلة في مساري الاقتصاد والتنمية أثبتت أننا بحاجة ماسة لهذا النوع من التخطيط المستقبلي بعيد المدى والذي يتبناه الأمير الشاب ويرتكز على مشروعات ستقطف ثمارها الأجيال القادمة، فنحن نعلم بأن كل الثروات إلى نفاذ أو تراجع أو ظهور بدائل جديدة لها ومنها النفط، وأن ترك المستقبل ومتغيراته دون التفكير فيه والاستعداد له سيجعل حياة تلك الأجيال في مهب الريح، لذلك كانت قراءة الأمير لواقع الحاضر ومؤشراته ذكية، فالنفط وإن كان يشكل حاليا المصدر الأول للدخل الوطني فإن الركون إلى هذه الحقيقية مجازفة كبيرة فالمتغيرات لا ترحم، وتبدل الأحوال وارد ولا ينبغي أن نستمر في خططنا الحالية دون تغيير أو تبديل وإنما نستعد بسيناريوهات مختلفة، وهذا ما أكد عليه سموه في حواره المبشر بمستقبل مشرق لهذا الوطن العظيم.
حوار سموه جاء ليؤكد ثراء المملكة في إمكاناتها المادية والبشرية، وأن تحسين توظيفها سيؤدي لنتائج أفضل، وأن فكرة الصندوق السيادي وتشغيله في استثمارات كبرى في شراكات عالمية ستؤدي إلى استمرارية الوفرة المالية لعشرات السنين وبما يؤسس لقوة اقتصادية متينة لا تتأثر بأي متغيرات مستقبلية مهما بلغ تأثيرها.
لذلك فالمرحلة القادمة تعتمد على التخطيط بعيد المدى المبني على أسس علمية والذي يأخذ في اعتباره الاستفادة من الطفرات ومواجهة الهزات الاقتصادية عن طريق طرح بدائل مناسبة لكل مرحلة وبمرونة فائقة. المرحلة القادمة التي أعلنها سموه بتأسيس أضخم صندوق تتطلب كفاءات وقدرات تخطيطية ما يعني أن الاستفادة واردة من جميع الأفكار والرؤى للإفادة من كل متاح في دعم الاقتصاد وأولها الصندوق السيادي للأجيال القادمة وكيفية تنميته لتحقيق أرباح ضخمة تفيد في تطوير البنى التحتية ومواجهة أي هزات محتملة فالعالم يمر بكوارث وحروب تؤثر على كل الدول وليس على المملكة فقط، والاستعداد لها يكون بالتخطيط السليم القائم على دراسة المؤشرات الحالية ثم وضع التنبؤات العلمية .
الدولة التي تستمر في خططها دون تغيير ستجد نفسها في المستقبل خارج الحسابات فالغد لن يكون نسخة من اليوم، ونحن نرى اليوم شركات عملاقة كانت في الماضي أرقاما صعبة والآن أعلنت إفلاسها لأنها ببساطة استمرت بنفس خططها دون تطوير.
الاعتماد على المصادر الحالية دون تغيير ليس من الحكمة لذلك انتهجت المملكة العربية السعودية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله سياسيات اقتصادية طموحة مبنية على الاقتصاد السعودي المتين لمواجهة ظروف المستقبل بكل تصوراته وتوقعاته فالاستعداد للمستقبل بهذه الرؤية المتفردة سيجعل الجميع مطمئنين بإذن الله على مستقبل اقتصاد هذا الوطن الغالي.