د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
القمة السعودية المصرية التي انعقدت في 7 أبريل 2016 ليست فقط زيارة تاريخية بل هي زيارة مفصلية، وهي شديدة الأهمية في توقيتها التي تستبق القمة العربية التي ستعقد في موريتانيا من أجل أن تؤدي إلى نضج العلاقات العربية العربية لترميم البيت العربي، وإنقاذه من الشتات.
السعودية ومصر تعدان جناحي الأمن القومي العربي، وهما يتطلعان إلى دفع العلاقات بين البلدين إلى آفاق أرحب تتناسب مع ما لدى البلدين من إمكانات متميزة وروابط أخوية وتاريخية وثيقة. القمة تستبق القمة السعودية الأمريكية في الرياض في 21 أبريل 2016 استكمالا لقمة كامب ديفيد في أمريكا التي رفض الملك سلمان حضورها احتجاجا على المواقف الأمريكية تجاه المنطقة.
أهمية القمة تأتي في ظل غياب دول كبرى عن المنطقة نتيجة استدارة أمريكا إلى الشرق والانسحاب من الشرق الأوسط خصوصا من منطقة الخليج حتى ولو كان جزئيا، فيأتي أهمية دور مصر كجناح أساسي لا خيار للمنطقة سوى التصدي ومواجهة التحديات التي تواجهها الأمة العربية، بدأ من مشاريع التفكيك والتفتيت التي ضربت المنطقة العربية منذ احتلال بوش العراق عام 2003، ومشاريع توسعية تختبئ خلف مشاريع دينية وأيديولوجية قومية يشكلان محورين يلتقيان في هيئة كماشة يحاصران كلا من السعودية ومصر.
التحالف السعودي المصري يقوم على المقاربة حيال العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، وتقوم فكرة التحالف على فكرة أساسية بأن هناك خطرا يتهدد المنطقة متمثلا في تفكيك الكيانات الوطنية داخل العالم العربي خصوصا في العراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان، حيث بدأت مشاريع التفكيك منذ زمن بوش كانت نتائجها كارثية على العالم العربي، لذلك يرى البلدان أن محاربة الإرهاب لا يمكن محاربته من خلال الفراغ الذي تركته المشاريع الأمريكية التفكيكية التي تقود إلى التفتيت أيضا، وهي التي أدت إلى ظهور الدواعش.
العلاقة بين السعودية ومصر حائط صد ضد نزوع إيران التوسعي، حيث يواجه البلدان نفس التحديات إلى جانب المشاريع الدولية التفكيكية هناك مشاريع إقليمية تتخفى خلف شعارات دينية وقومية وأيديولوجية وهما مشروع ولاية الفقيه ومشروع الخلافة الإسلامية اللذين أرادا أن يطبقا على السعودية ومصر ككماشة .
القمة السعودية المصرية أفشلت رهانات العديد من الدول والقوى والمنظمات بأن هناك تباينا في وجهات النظر وفتورا في العلاقات يمكن أن تؤدي إلى أزمة بين البلدين، خصوصا وأن إيران تدرك حجم وثقل المشاركة المصرية في التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية، إذ إن مصر لم تدخل بكامل ثقلها في التماس الإيراني السعودي.
حيث ترى إيران في التحالف العسكري الإسلامي والمناورة التي جرت في شمال السعودية (رعد الشمال) يستهدفانها في المقام الأول، وهي تخشى من اتساع هذا التحالف أكثر، الأمر الذي يعمق عزلتها، خصوصا بعدما فشلت زيارة روحاني إلى الباكستان مستعينا بسلاح تصدير الغاز كوسيلة للضغط على الباكستان.
اعتقدت إيران أنها بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب بأنها صفقة مقابل استمرار نفوذها في المنطقة العربية، لكنها تعتبر مصر عائقا أساسيا يمنعها من تحقيق حلمها لاستقرار دولة الإمامة، لكن أفشلت السعودية المشروع الإخواني الذي كاد أن يتحول إلى تحالف مع ولاية الفقيه لمحاصرة السعودية والذي توج بزيارة رئيس إيران عام 2013 زمن الرئيس مرسي، وترى إيران في السعودية منافسا خطيرا لتحقيق هذا الحلم ،لكن مشاركة السيسي في مناورات رعد الشمال دليل كاف لتبديد هذا الحلم.
حيث نجحت الدبلوماسية السعودية في أن تصبح نقطة التقاء لعدد من الدول التي تتباين مواقفها بشدة خصوصا بين مصر وتركيا وقطر، ما يدعو إلى عدم رضا الموقف التركي من القمة السعودية المصرية، رغم ذلك فإن الملف السوري يحمل تنسيقا أكبر بين السعودية وتركيا، وهو ما يجعل روسيا كذلك تراقب نتائج تلك القمة وقلقة من تغير الموقف المصري في سوريا الذي يمكن أن يخطو نحو الموقف السعودي، خصوصا باعتبار حزب الله منظمة إرهابية.
رغم أن العلاقات المصرية السعودية أكبر بكثير من قضايا جزئية يمكن أن تتباين حولها الآراء، خصوصا بعدما سقطت نظرية الزعامة التي كانت سائدة في العالم العربي قبل ثورات الربيع العربي والتنافس على أمور صغيرة، فيما أن لكلا البلدين مصالح مشتركة، ودرجة التوافق بينهما كبيرة، كما انتهت نظرية إما معي أو ضدي ،بينما هناك فرص لبناء مواقف مشتركة في وجود تفاوتات في بعض الملفات مع بقاء التواصل.
تتجه مصر إلى تنمية شبه جزيرة سيناء لتخليصها من الإرهاب والحصول على تمويل ميسر بقيمة 1.5 مليار دولار بين وزارة التعاون الدولي والصندوق السعودي للتنمية الذي تمت الموافقة عليه في الاجتماع الخامس لمجلس التنسيق المصري السعودي الذي عقد في الرياض في 20 مارس 2016 في إطار برنامج الملك سلمان لتنمية جزيرة سيناء بالإضافة إلى توقيع شراكات عديدة بين البلدين.