يوسف المحيميد
قبل أكثر من ثلاثة عقود مضت، تسلَّم المهندس محمد سعيد فارسي أمانة مدينة جدة، وقضى فيها ست سنوات فقط، غيّر خلالها وجه هذه المدينة النائمة في حضن البحر الأحمر، فجعلها عروساً جميلة ومميزة، لأنه ببساطة لم يعمل كموظف، أو كمسؤول عن الشوارع والأرصفة والإنارة، ولافتات المحال المتنوّعة، ألوانها ومقاساتها، وما شابه من مهام قد يكون بعضها غير مهم، وإنما كان عاشقاً حقيقياً للمدينة، كان يمتلك عين فنان ناقدة، بذائقة فنية عالية، جعلته يدرك مبكراً أن هذه المدينة يجب أن تتميز بشوارعها وميادينها وكورنيشها، ومن هنا استقطب الفنانين السعوديين ليقوموا بتزيين الميادين والكورنيش بمجسماتهم الفنية المميزة!
أعتقد أن الرياض كعاصمة، كانت بحاجة أكثر إلى كسر صحراويتها وجفافها بالفنون والمجسمات، لكنها لم تفعل ذلك للأسف، ربما كانت خلال الفترة ذاتها، أو قبيل ذلك، دعت الفنان الراحل محمد السليم لتصميم مجسم جمالي معبّر عن البيئة الاجتماعية التقليدية، فكانت المبخرة ومجموعة الدلال المصنوعة من البرونز في دوار مطار الرياض (مطار القاعدة الآن) تعتبر خطوة أولى لهذه المجسمات المنتظرة آنذاك، لكنها للأسف لم تتكرر، بل حتى لم يتم الحفاظ عليها كقطعة فنية، أو ترميمها مثلاً، وإنما اختفت، وربما رميت في مكان ما!
قد يرى البعض أن ثمة ميادين جديدة في الرياض تتميز ببعض التصميمات الجمالية، وهذا صحيح، لكنها ليست لفنانين حقيقيين، ونحاتين بارزين، وإنما قطع مصممة ومصنعة في الخارج، ولا تعبر عن روح المكان ورائحته، ولا عن مواده الطبيعية المتوفرة فيه، فلا يعني زائر الرياض أن يشاهد في ميادينها منحوتات ومجسمات مصنعة في الصين، وإنما يرغب في تأمل منحوتات ومجسمات فنانين سعوديين تعبر أفكارهم عن جذورهم.
من هنا، أتمنى أن يستعين أمين مدينة الرياض، أو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بفنانين أو مختصين سعوديين للمساعدة في تصميم مجسمات لميادينها وساحاتها وشوارعها، يشارك فيها فنانون ونحاتون سعوديون، وتكون أيضًا بأسعار منطقية، ومعقولة إلى حد بعيد، وليست بالضرورة رخيصة ومنافسة لما يتم تصنيعه في دول شرق آسيا، وبذلك نحقق عدة أهداف في وقت واحد، إضفاء مسحة جمالية على المدينة، تجديد ملامحها بشكل معاصر، وتحويلها من مجرد مدينة شاحبة إلى معرض فن معاصر دائم، لفنانين سعوديين، ودعم هؤلاء الفنانين بتقديم أعمالهم الفنية المميزة في أجمل مواقعها، وتحفيز غيرهم من الفنانين الجدد.