نجيب الخنيزي
التحديات الخارجية والداخلية التي تجابهها دول مجلس التعاون على مختلف الصعد والمستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية في ظل انهيارات امنية وسياسية واقتصادية ومتغيرات عاصفة وصلت إلى مرحلة الحروب والصراعات الأهلية العنيفة التي تشهدها العديد من البلدان العربية المجاورة بل وعموم المنطقة العربية والعالم على غرار تفجيرات باريس وبروكسل، ناهيك عن إثر الانخفاض الحاد في أسعار البترول، وهو ما يتطلب مواجهة المشكلات والاستحقاقات بالصراحة والوضوح، وتجاوز سياسة ردود الفعل الآنية، والإحالة المستمرة للقضايا المؤجلة على الرغم من أهميتها وراهنتيها وارتباطها بمصالح شعوب ودول المنطقة، ومستقبل الأجيال المقبلة.
ومن المهم في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة استيعاب أبعاد هذه التحديات والتكيف مع الأوضاع المستجدة من خلال رسم استراتيجية مشتركة بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار نقاط القوة، ونقاط الضعف، والإنجازات التي تحققت، والإخفاقات التي تتطلب مواجهتها مواجهة رشيدة وعلمية ومخططة، وهذا لن يتأتى إلا عبر تفعيل كافة الإمكانات المتاحة، وحشد القوى الفاعلة من الدولة و النخب الاجتماعية والسياسية والثقافية، ورفع مستوى مشاركة شعوب المنطقة في إطار من الانفتاح والمصارحة والشفافية والثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، وهو ما يستدعي في المقام الأول سياسة تعتمد على الذات (إمكانات ومقدرات وموارد) والتكيف مع الظروف الجديدة التي تعيشها بلدان المنطقة، والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط خصوصا في ظل انخفاض الاحتياطات النقدية، واستمرار العجز في الموازنات العامة، وتصاعد الدين العام، وبروز ظواهر وإفرازات اجتماعية جدية مثل البطالة واتساع نطاق الفقر وتدني مداخيل الفئات الدنيا و ضمور الطبقة الوسطى، واتساع نطاق العنف والجريمة وتعاطي المخدرات.
أمام دول المجلس مهمات خطيرة وجدية لا تحتمل التأجيل أو المراوحة إذا أرادت الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني، وأن يستمر دورها الفاعل والمؤثر، خصوصا في ظل التآكل المستمر لمكانة ودور الدولة الراعية (الأبوية) الذي تحقق في الماضي بسبب الوفرة المالية الناجمة عن الطابع الربعي للاقتصادات الخليجية والتي مكنت الدولة من الاستقلالية إزاء المجتمع في مصادر تمويلها والتأثير على مسار التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي من خلال أوجه الصرف والإنفاق الباذخ من قبل الدولة، حيث اعتبره البعض بمثابة تقاسم وظيفي بين الدولة الراعية (الأبوية) التي تمتلك مفاتيح التحكم والضبط ووسائل الترغيب والإكراه، وبين المجتمع (الطفل التابع) المتكل على الدولة في جميع احتياجاته الأساسية بما في ذلك تحديد أنماط معيشته وسلوكه وتفكيره.
ومع أن تقلص دور ومكانة الدولة ونطاق تدخلها وتحكمها في أوجه الحياة المختلفة أصبح سمة عالمية ومرتبطا بصورة وثيقة بنظام العولمة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية حيث تسعى العولمة لتهميش دور ومكانة الدولة الوطنية وسيادتها وإضعاف دورها غير أنها في الوقت نفسه تؤدي إلى ترسيخ التقلع (التخلع) الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي في البلدان المختلفة وبخاصة في بلدان الجنوب. الأمر الذي يفرض على دول مجلس التعاون مهمات آنية ومستقبلية ومن بينها : إعادة النظر في السياسة التنموية وتعديلها بما يتناسب والواقع الجديد والإمكانات الفعلية المتاحة، وبما أن الإنسان هو أداة وهدف التنمية في الآن، وهو ما يستدعي زيادة الإنفاق على تطوير البنية التحتية و الموارد البشرية والارتقاء بالخدمات المقدمة في مجالات الصحة والتعليم والتدريب والإسكان وتطوير شبكة نقل (طرق، سكك حديد) حديثة تربط ما بين دول المنطقة وبينها وبين العالم.، إلى جانب التصدي لظاهرة تفاقم اختلال التركيبة السكانية وغلبة العمالة الوافدة وانعكاساتها السلبية حيث تتراوح نسبة العمالة الوافدة ( 24 مليون وافد في دول المجلس ) في قوة العمل بين دول المجلس بين 60% (السعودية، وعمان) و82% (الكويت، وقطر) وترتفع لتصل إلى 90% في دولة الإمارات المتحدة، وتقدر تحويلاتهم السنوية حوالي 80 مليار دولار، وهو إضافة إلى خطورته على صعيد التجانس الاجتماعي والوطني والهوية الثقافية والأمن، ناهيك عن دوره المباشر في تفشي ظاهرة البطالة الآخذة بالتزايد بين السكان خصوصا أن أكثر من 50% من مواطني سكان دول المجلس هم دون 15 سنة، كما أن نسبة زيادة نمو السكان (3،8%) سنويا وهي تعد من أعلى النسب في العالم، وتتجاوز نسبة النمو للموارد والدخل القومي، مما يتطلب وضع الخطط العاجلة لإحلال العمالة المواطنة (الخليجية) خصوصا في مؤسسات وشركات القطاع الخاص مع تحديد سقف أدنى للأجور، ومكافحة ظاهرة العمالة السائبة وتجارة الفيز وتأجير السجلات التجارية من الباطن، وسن تشريعات عمل حديثة مع إتاحة المجال للعمال وأصحاب المهن المختلفة في إقامة اتحاداتهم وكياناتهم النقابية والمهنية بحرية واستقلالية . للحديث صلة