ناصر الصِرامي
كشفت مصادر مطلعة من داخل الفلوجة أن السكان خولوا مجموعة من أهالي المدينة المحاصرين استلام المواد الإغاثية والطبية من المنظمات الإنسانية الراغبة في تقديم المساعدات إلى المحاصرين داخل المدينة، فقد وافق تنظيم «داعش»- على عدم التعرض لأي قافلة مساعدات تصل المدينة التي تجمع نحو300 ألف مدني تم إحصاؤهم أخيراً من أجل توزيع المساعدات عليهم محاصري الفلوجة بين نارين؛ نار داعش وإرهابها، والحكومة العراقية وحشدها!
تنظيم ما يسمى بـ«دولة الخلافة الإسلامية» وافق على السماح بإدخال المساعدات، شريطة عدم خروج المدنيين من الفلوجة..
والحقيقة أنه لم تدخل الفلوجة منذ أكثر من عامين أي مساعدات وهي عمر سيطرة داعش عليها في ظل انقطاع تام للتيار الكهربائي وشح كبير في كل مستلزمات العيش الممكنة.
هذه صورة صغيرة جدا من الحياة، من الصورة الأشمل في ظل التنظيم الذي يدعي الخلافة، أضف لها صورة الإرهاب والترهيب للسكان في أي موقع سيطر فيه التنظيم، صور من الرعب والتجويع والقتل وكل أشكال العقوبات في أقصى توحشها الانساني. ملامح التنظيم الارهابي واضحة وأصبحت تتصدر الأخبار، لدرجة تجعل بعضهم لازال يمارس حالة إنكاركبرى باعتبار داعش تنظيما حقيقيا أصلا..!
لكن الجانب المزعج الذي نحاول باستمرار تجاهله أو الصمت عنه، أو حتى الخوف من ذكره، هو أن ما تفعله داعش أو «دولة الخلافة الإسلامية»، كما يحب بعضهم أن يسميها-، ما تفعله هو جزء من ثقافة موجودة للأسف في تراثنا الذي لازال يعاني من قصص وروايات التشويه، دون أن يعرض للتهذيب والتصفية وترشيد التقديس.
أي صورة أو قصة أو حالة قادمة من المواقع التي تتواجد فيها داعش أو غيرها من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، دائما ما تخرج بسند شرعي أو دينى لما تفعله، دون أن يتعرض خطابها لنقد ديني عالي المستوى ومكثف يمكن لها أن يسهم في إعادة تهذيب التراث.
لذا قد تسمع من صحفي أوكاتب أو حتى مسئول أجنبي أو عربي يؤكد فيه ان «داعش» تمثل للأسف الخيال القديم، والأمنيات المترسبة بعودة الخلافة الإسلامية، وممارستها للفتوحات مجددا، بنفس طريقة محاكاة المسلسلات التاريخية!
طبعا يمكن لنا ان نجادل لوقت طويل، ونحاول ان ننزه تراثنا وديننا من هذا التطرف والتشدد في السلوك وفهم النص، ويمكن لنا أن نكتب العشرات من الخطب والكتب في ذلك.. أو حتى تقوم الدول العربية والإسلامية مجتمعة بحملة تصحيح للصور الذهنية العالقة عن الإسلام، وما تتسبب فيه هذه الجماعات أو الأشخاص المتطرفين من تشويه بأفعالهم أو أقوالهم الإرهابية في حق دينهم، يمكن لنا أن نقوم بالكثير من ذلك الجهد لتصحيح الصورة...!
إلا أننا ننسى أن المشكلة ليست في الصورة الخارجية، بل هي في مكان آخر، أنه في الخيال المثالي الذي رسمه التاريخ عن دولة الخلافة!
المشكلة في ذلك التقديس التاريخي للخلافة الأموية والعباسية وما بعدهما، ارتفاع التاريخ عن النقد والكشف، ومجرد وصف على أي فترة زمنية ماضية بـ»الخلافة الإسلامية»، يجعل نبش التاريخ الحقيقي، واستعراض بعض سلبياته آثاره.. يعتبر إدانة للخلافة والإسلام نفسه..!
وهنا دائما يكمن الخلل في تقديس غير المقدس من تاريخ وأشخاص.. وهو ما يسهم في رسم صورة متخيلة مثالية غير واقعية، ومن ثم محاولة محاكاة تصورات الخطاب الإسلامي المروج لـ«الخلافة»، لتأتي نسخة مشبوهة اسمه «دولة الخلافة الإسلامية».. داعش، عكس الأمنيات والخيالات الساذجة..!