د.علي القرني
نعم، جمعيات المجتمع المدني في المملكة تترنح لرفع أيادي الدعم عنها، وهي تعاني بشدة في الجانب المادي. هذا باختصار يلخص الوضع القائم لأكثر من مائة جمعية علمية في مختلف جامعاتنا السعودية،
فمعظمها وخاصة الإنسانية والاجتماعية تواجه حدود الإفلاس الكامل، لعدم توفر عائدات مالية ترفدها لتعزيز نشاطاتها المعتادة. أما الجمعيات الطبية فهي لا تعاني لكون الجمعيات تضغط على المؤسسات الطبية من مستشفيات وصيدليات وغيرها للمساهمة في رعاية مناشطها السنوية، مما يوفر لها دخلا بعشرات الملايين.
إن مؤسسات المجتمع المدني هي واجهة حضارية للمجتمعات والدول، وتقاس تطور المجتمعات ونموها وتقدمها بنشاطات مؤسسات المجتمع المدني فيها، فهي الوجه الآخر للحياة الرسمية للدول وكثير من المجتمعات، وهي تقدم خدمات نوعية قد لاتتمكن القطاعات الحكومية أن تقدمها. خدمات لمختلف قطاعات الدولة مؤسسات ومواطنين، وللحياة العامة والخاصة.
وشهدت المملكة انتشارا لمؤسسات المجتمع المدني بعد عام 2001م وظهرت إلى الوجود عشرات الجمعيات، حتي أكثر الجمعيات حساسية في ذلك العهد ظهرت مثل الإعلام والاتصال والعلوم السياسية، لأن المملكة ظهرت للعالم بواجهة جديدة تجاوزت فيها بعض أنواع الحساسيات التي كانت تحيط بها. ثم توالت الجمعيات إلى أن تجاوزت أكثر من مائة جمعية في مختلف الجامعات والمناطق.
وللأسف مع مرور الوقت ومع ظروف صناعة الرعايات التجارية وقلة اهتمام الجامعات بالجمعيات اضطرت هذه الجمعيات وخاصة تلك الإنسانية والاجتماعية إلى التراجع وبدء فترة ركود وتراخ عن الدور المجتمعي لتلك الجمعيات.
وهنا أستشهد بموقفين حيث أطلقت الدولة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفي عهد الملك سلمان مبادرتين لدعم الجمعيات في المملكة بما فيها الأندية الأدبية بعشرة ملايين ريال، ولكن للأسف اجتهدت وزارة المالية على استنزاع هذا الدعم من الجمعيات العلمية، واستطاعت أن تخرج الجمعيات العلمية بمذكرات تفسيرية من فحوى الأوامر الملكية. بينما ضغطت وزارة الثقافة والاعلام لاستحصال هذا الدعم الملكي.
ومن هنا، فإن الخيارات المتاحة لبقاء هذه الجمعيات هو دعمها ودعمها ودعمها، إما عن طريق مبادرات ملكية تكون موجهة مباشرة لها، ولا تخضع لمذكرات تفسيرية من وزارة المالية، أو تخصص لها الجامعات ميزانيات سنوية مجزية تواكب الحراك العلمي الذي تؤديه الجمعيات للمجتمع المهني والمجتمع الحكومي والمجتمع بشكل عام. ونحن نعلم علم اليقين أن الجمعيات العلمية تشكل نشاطاتها أكثر من خمسين في المائة من نشاطات الجامعات التي يوجد بها الكثير من هذه الجمعيات.
ونحن لا نريد أن نفقد بريق هذه الجمعيات ولا نشاطاتها ولا دورياتها العلمية المحكمة التي تزخر ببحوث متخصصة في مجالاتها، ولكننا نخشى فعلاً أن نصل قريباً إلى إقفال بعض أو كثير من هذه الجمعيات، كما حدث لبعضها في السنوات الماضية. كما لا نريد أن تظل هذه الجمعيات هزيلة في أدائها ونشاطاتها ويصرف عليها أعضاؤها ويسددون مرتبات العاملين فيها.
إن الأهمية التي تقوم بها هذه الجمعيات كواجهات حضارية للدولة والمجتمع تفوق كثيرا من نشاطات الدولة، ولها وقعها الخارجي كممثلة لهيئات سعودية نتفاخر بها في المحافل الدولية. وترفع اسم المملكة والجامعة التي تنتسب إليها. لا نريد أن نفقد هكذا تمثيل لجمعياتنا وجامعاتنا ولبلادنا في مجتمعنا المحلي والدولي.