د.علي القرني
يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن يصحح الخطأ الذي وقع فيه من دخول قواته لمعركة خاسرة، وإدخال جيشه إلى مستنقع سوريا الذي لن يخرج منه منتصراً مهما كانت نتيجة المعركة.
وفي أفضل الحالات التي يمكن أن يخرج منها بوتن من سوريا هو إطالة أمد نظام بشار الأسد ولكنه سيخسر العالم مع هذه الاصطفاف إلى جانب رئيس قتل حوالي نصف مليون من شعبه، وشرد أكثر من عشرة ملايين والباقي من شعبه في حكم المحتبسين داخل غياهب النظام وليس لهم حيلة أو قوة.
شهور قضتها القوات الروسية في سوريا وطائراتها تضرب المعارضة المعتدلة على وجه الخصوص، ولم تنجح في القضاء عليها، بل بالعكس قوّت منها وجمعت حولها تأييداً عالمياً لم يكن من قبل دخول القوات الروسية، وهكذا وصلت قناعات بوتن منتهاها أن المعركة قد يكسبها ولكن الحرب سيخسرها حتماً. ودخول القوات الروسية في حرب سوريا كشف للعالم أن روسيا تتدخل مع نظام خاسر ورئيس دموي وميليشيات قاتلة ومعركة خاسرة.
ويبدو أن الكرملن قد فطن إلى أن الغرب بقدر استيائه من التدخل الروسي العسكري إلى جانب نظام دموي كنظام بشار الأسد، إلا أن الغرب في منتهى الاستمتاع بمشاهدة تدني شعبية روسيا وبوتن في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى ما تتكبده الخزينة الروسية من خسائر فادحة من المليارات يومياً تُضاف إلى تضعضع الاقتصاد الروسي المتهالك. أخيراً فطن بوتن إلى أن نهاية بشار الأسد هي حتمية وحقيقة لا مفر منها حتى لو قضت القوات الروسية عشر سنوات تضرب بقوتها الجوية مواطني سوريا وحتى لو أعطى المستشارون الروس كل النصائح والخبرات لجيش بشار الأسد والحرس الجمهوري الإيراني وميليشيات حزب الله.
لم يتأخر بوتن كثيراً في مستنقع سوريا الذي أراده له الغرب خسارة عسكرية وتسويد صورة بوتن وروسيا أمام الرأي العام العالمي. فطن بوتن إلى التوقيت المناسب للانسحاب في ظرف بداية محادثات السلام، ليكون مبرراً لحفظ وجه الماء والخروج المنطقي للقوات الروسية من سوريا. وقد تكون هناك أسباب أخرى على هامش الانسحاب، ربما في مقدمتها التعنت السوري لنظام بشار الأسد ورفضه لمشروع الانتقال السياسي في أجندة المحادثات بين أطراف النزاع.
فلاديمير بوتن كان يفكر في أفغانستان جيداً خلال الشهور الأخيرة من تدخله في سوريا، وكان يعلم علم اليقين أن سوريا ربما ستكون أفغانستان أخرى لروسيا، وأن الغرب سيكون تواقاً لمشاهدة هزيمة أخرى لروسيا في سوريا. كما أن الرأي العام في روسيا لم ولن يكون مؤيداً لفرض نظام دموي قاتل مجرم على شعبه الذي لا يريده ويتمنى رحيله للأبد. ويعلم بوتن أن فاتورة الحرب مكلفة جداً في ظل ظروف انخفاض عائدات النفط الروسي مما سيؤدي حتماً إلى تضعضع الاقتصاد الروسي، ومما سيقوّض قواعد التأييد لنظام بوتن داخل روسيا.
ونحن سعيدون جداً لقرار بوتن الانسحاب من سوريا رغم عمليات التجميل التي يحاول النظام السوري بثها للعالم عن هذا الانسحاب، ولكن المؤكد أن بوتن كما فاجأ العالم بتدخله إلى جانب بشار الأسد، فقد فاجأ بشار الأسد بانسحابه من سوريا ومن تدخله العسكري مع نظام بشار الأسد. والقوى العظمى كما هو معروف تضع مصالحها الإستراتيجية فوق كل اعتبار، وحتى لو سقط بوتن في رهانه الأول بالتدخل العسكري إلا أنه نجح في استخراج قواته من سوريا رغم هول الصدمة التي واجه بها بوتن نظيره السوري بشار الأسد.
ولم تكن صدمة الانسحاب مدوية فقط لدى بشار الأسد، بل كانت الصدمة أقوى في أروقة القرار الإيراني للحرس الجمهوري بما في ذلك حزب الله ولدى أمينه العام حسن نصر الله. وبينما كان حزب الله والحرس الجمهوري يُوشكان على الاحتفال ابتهاجاً بتدخل روسيا إلى جانبهم، ها هم الآن يبقون وحيدين في أرض المعركة وعلمهم اليقين أن نظام بشار الأسد لن يدوم وأن نهايته حتمية، وتمسكهم بهذا النظام لأنه القشة الأخيرة التي ستتبقى لهم في سوريا، وعندما ينتهى هذا النظام سيكون آخر نفوذ لهم في سوريا، وسينقلب عليهم الشعب السوري في غضب كبير وسخط عارم.