سلمان بن محمد العُمري
احتفلت العديد من القنوات الفضائية والمرئية والمسموعة مؤخرًا بما يسمى (عيد الأم). وكان لهذا الحدث - مع الأسف - حضور كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، وغرد حوله الكثير، وتطوع البعض برسائل للتذكير، وسارع آخرون من رجال ونساء إلى شراء هدايا لأمهاتهم، وبحث آخرون عن (شيلات) وأشعار وخلافه؛ ليرسلها إلى أمه أو مجموعات التواصل، وكأنه يستحث أجرًا بالتذكير بأمر مشروع. حتى أصحاب المحال التجارية بمختلف أنواع بضائعها - ولا ننسى الصيدليات - استغلت المناسبة، وقدمت عروضًا مذهلة لسِتّ الحبايب، وبدأت تبعث برسائل للناس عن هذه العروض!!
إن هذه الأمور غيض من فيض مما يحدث في مثل هذه المناسبات المبتدعة، ولا تكاد تمر ما يسمونه بأعياد المناسبات الخاصة إلا ونرى ونسمع العجب العجاب في انسياق المجتمعات المسلمة مع هؤلاء، وحماسهم لها، وكأنها فرض واجب، والإخلال به تهاون وارتكاب لمحظور، وهي من الأمور التي عمت بها البلوى في التشبه بغير المسلمين. ومصداقًا لما أخبرنا به سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم «لتتبعن سنن مَنْ كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا ذراعًا، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟». [رواه البخاري]
وإذا كان التشبُّه بغير المسلم من الأمور المنهي عنها فمن أعظم المخالفات التشبه بهم بمعتقدات وأعمال يراد بها التعبد والتقرب إلى الله - عز وجل - ومن ذلك بر الوالدين اللذين أمرنا الله - عز وجل- بالإحسان إليهما، وجعل ذلك قرينة عبادته؛ إذ قال عز من قائل سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}[الإسراء]
والمسلم لا يتأسى إلا بما جاء في شريعتنا المطهرة الكاملة الوافية الشاملة التي لم يكن لنا في أمر الدنيا والدين من خير إلا وجاءت به، ولا شر إلا وحذرتنا منه.. والخير كل الخير بالتمسك بالكتاب والسنة ونهج السلف.
لقد أكرم الله الوالدين بوجه عام، والأم بوجه خاص. {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان]
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وإذا كان الترغيب والحث على بر الوالدين والإحسان إليهما فإن الترهيب والوعيد في التقصير بحقهما، وهو من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب، وأشدها، وسبب لعاجل العقوبة في الدنيا؛ فعن أبي بَكْرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور». وكان رسول الله متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت!
فأين هؤلاء مما جاءت به الشريعة الإسلامية مع من يريد حصر بر الوالدين في يوم واحد، وفي بطاقة بريدية أو وردة أو هدية أو رسالة جوال، وأن تعق طوال العام فلا تواصل!
ولربما قال أحدهم إنني لم أقطع بوالدي، وهذا اليوم فقط أخصهما ببعض الهدايا، وأتقرب إليهما بما يحبانه من قول أو عمل. وفي هذا القول أو العمل الإثم الأكبر؛ لأن بر الوالدين واجب وطاعة يتقرب بها المسلم إلى ربه، وفي هذا التخصيص تشبه بغير المسلم، ومحذور آخر بتخصيص طاعات في أوقات محددة.
إن البر والإحسان للأم والأب لا يتوقفان على يوم وليلة، ولا على أعمال محددة؛ فكل ما يجلب لهما السعادة والخير في الدين والدنيا هو باب من أبواب البر والصلة، وما يسمونه بعيد الأم أو الأعياد الأخرى هو اتباع مأزور غير مأجور صاحبه، وإن عمل فيه ما يعتقد أنه من أبواب الخير. لقد كرم ديننا الأم بأن جعلها طريقًا للجنة، وأوصى رسولنا بالبر بها ثلاثًا فقال: «أمك، ثم أمك، ثم أمك».. فهل ينبغي عن هذا التكريم الرباني سبيل وطريق وهدي وتشريع!!