د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
ترتبط بعض التراكيب والألفاظ باستعمالات خاصة ترد إلى الذهن وإن لم تكن مرادة في السياق، هذا ما كان من أمر عنوان هذا البحث الذي كتبه زميلنا يحيى بن عبدالله بن حسن الشريف، ونشر في مجلة الدراسات اللغوية المجلد الثامن عشر العدد الأول (المحرم-ربيع الأول 1437ه)، لا أدري لماذا قفز إلى ذهني التمثيل بقتلى المعارك، ربما لأن ما دار حول بيوت ابن مالك في الكتب الحديثة والمواقع الشبكية هو لون من المعارك بين متحيزين لشخص ابن مالك ومتحيزين لما هو فوق كل الشخوص وهو العلم والحقّ، بل سماها معركة عبدالعزيز الحربي رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية.
لقد حسم الشريف أمره في العنوان الذي صدر به بحثه أو دراسته حين جعل ما ورد من بيوت الشعر عند ابن مالك من قبيل الأمثلة، وعلى الرغم من هذه النتيجة المبكرة حاول أن يجعل لدراسته مكانة وهو أمر مشروع؛ ولكن الأمر المتوقف فيه النظر إلى الدراسات السابقة أو الأعمال السابقة أنى صنفتها؛ فلا يلزم أن تأتي الدراسة الجديدة مسوغة لنفسها باتهام ما سبق بالقصور؛ إذ الدراسات تتوالى فمنها ما يكمل بعضها بعضًا ومنها ما يكون لها غرض مختلف عن أغراض تلك الأعمال السابقة، يقول الباحث في ملخص بحثه (ص171)»وناقش البحث المسائل المختلفة مناقشة دقيقة متعمّقة، وغاص في تعيين مرامي ابن مالك وتوضيح مقاصده، وتأصيل كل ذلك وربطه بأصول الصناعة، وهذا ما تفتقر إليه الدراسات التي تناولت هذه القضية التي توجَّهَ بعضها إلى اتهام ابن مالك بالوضع والصناعة وإحصاء الأبيات وعدها دون الولوج إلى أس وجوهر المسائل، أو الدراسات التي قامت دفاعا عن ابن مالك ومحاولة الدفاع عنه دفاعا تغلب عليه العاطفة، أو محاولة البحث عن نسبة الأبيات وعزوها»، ومن الواضح أن تلك الأعمال السابقة واضحة أهدافها وهو ما حدد مضمونها، وليست مفتقرة كما يظن الشريف إلى ما جاءت به دراسته من مسائل وصف مناقشته لها بأنها «دقيقة متعمقة» وهي تزكية للنفس كان يجمل به تركها لفهم القارئ، وأمر آخر لفت انتباهي وهو أنه ضرب صفحًا عن أعمال ومشاركات أراها مهمة في الحديث عن بيوت ابن مالك، منها كتابة جواد الدخيل «نظرة في شواهد ابن مالك: كتاب شواهد التوضيح والتصحيح نموذجًا»، مجلة الدراسات اللغوية، مج14، ع2، ربيع الآخر-جمادى الآخرة، 1433ه، مارس-مايو 2012م. ص 41-63. وكتابتي عن نظرة جواد بعنوان «شواهد أم أمثلة»، في المجلة الثقافية، ع382، الخميس 18، ذو القعدة 1433ه، ثم كتابتي عن كتاب فيصل المنصور «تدليس ابن مالك»، صحيفة الجزيرة،ع 15157 السبت 28 جمادى الأولى 1435ه، وكتابتي عن بحث رفيع السلمي بعنوان «هل من براءة لابن مالك»، ع470 السبت 27 رجب 1436ه، وفي موقع مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية «معركة ابن مالك» لعبدالعزيز الحربي.
يقول الباحث في مطلع بحثه عن ابن مالك(ص172) «مارس عملية إحياء نفض فيها الغبار عن نصوص كثيرة جدا بقيت هامدة في ثنايا الكتب والمؤلفات والرسائل، وسجّلتها الصحائف والدواوين والمختارات، فبعثها تدبّ فيها الحياة ضمن قراءة موسوعية أحاطت بالتراث منظومه ومنثوره إلا ما ندر»، إن غضضنا الطرف عن الإنشائية في هذا النص لا نجد ابن مالك يختلف عن غيره في استعمال شواهد سيبويه وما أضافه لاحقوه من الشواهد المعتبرة وهي شواهد تتوارثها المطولات النحوية، وعاد الباحث إلى ما وضعه ابن مالك من أمثلة ليصفها بأنها مقيسة على المسموع، قال (ص173) «وبعد أن أحكم ابن مالك المسموع، وضبطه أو كاد ذهب يُعمل فيه أصلا نحويا وهو قسيمه (القياس) واستعمله بأكثر من طريقة، وأبرز قياساته في أمثلة شعرية من نظمه تناثرت في كتبه، وتعاورها من بعده النحاة»، والباحث بهذا يقرر وضع ابن مالك للأبيات وأن من بعده من النحويين تعاوروها ولكنه سكت عن الكيفية التي تعاوروا بها تلك البيوت الموضوعة؛ إذ هم وثقوا به وتوهموا أن ما يسميه الباحث أمثلة شواهد ولذلك استعملوها ليرجحوا رأيًا على رأي.