عماد المديفر
جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى تركيا كأول زيارة يقوم بها الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- إلى أنقرة بعد مبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية تلبية لدعوة أخيه فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان..
حملت معها هذه الزيارة دلالات عُليا.. لا سيما في ظل الظروف المستجدة بالمنطقة، والتي تدفع الدولتين الشقيقتين لمزيد من التعاون، وطرح المواضيع على طاولة الحوار بوضوح وشفافية، والوقوف وقفة جادة وموحدة لمواجهة التحديات المشتركة.
هناك نظرة يصفها المراقبون بـ «المتطابقة» من الدولتين الكبيرتين تجاه العديد من الملفات الإقليمية، لا سيما في سوريا والعراق ولبنان واليمن.. وتجاه الموقف من القضية الفلسطينية، والتعاون البيني في التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب.. ويتطلع البلدان الشقيقان إلى توطيد وتعميق العلاقات الثنائية، والمضي بها إلى مستوى عال من التعاون الإستراتيجي، وهو ما صرح به معالي وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير..
وكانت قد شهدت الزيارة التوقيع على بروتكول مجلس التنسيق السعودي التركي المشترك المعني بدراسة الملفات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية ذات الأولوية، وخاصة تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والوضع في سوريا.. كما يُعنى هذا المجلس بالتنسيق في المجالات الدبلوماسية والمالية والبنكية والملاحة البحرية، وفي مجالات الصناعة والطاقة والزراعة والتربية والثقافة والتعليم والتكنولوجيا والإعلام والصحافة والتلفاز.
وهو لا شك خطوة مهمة في طريق تعزيز التعاون الثنائي ليرقى إلى التحالف الإستراتيجي، الذي لازلنا نطمح إليه في المملكة مع الشقيقة تركيا، والتي يظهر ساستها مبادلتهم لنا ذات الطموح.
ومما لفت الانتباه في زيارة الدولة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى أنقرة، حجم الوفد الإعلامي المرافق، والذي ضم عدداً جيداً من كتاب الرأي وأعضاء من مجلس الشورى وإعلاميين سعوديين مستقلين، تميز هذا الوفد بكونه لا يمثل السياسة الرسمية السعودية بقدر ما يمثل رأي الشارع السعودي.. إنها الدبلوماسية الشعبية السعودية في إحدى صورها، والتي تخففت من أحمال وتبعات الصوت الرسمي، والمجاملات الدبلوماسية، وذهبت إلى الصراحة والوضوح في الطرح وتبادل وجهات النظر بأريحية مع عدد من البرلمانيين الأتراك الممثلين عن الحزب الحاكم، وتشاركت الحوار في مجموعة نقاش مركزة في أحد أبرز مراكز الدراسات والأبحاث التركية التي تغذي صانع القرار التركي، ويسترشد برأيها ونتائج أبحاثها حزب العدالة والتنمية الحاكم في بناء سياساته - بحسب ما قيل- ؛ لذلك جاءت المناقشات أكثر صراحة ومكاشفة.. وهو ما يصب في المحصلة لصالح تقريب وجهات النظر، والدفع لمزيد من التعاون بالقدر الذي يتناسب وحجم التحديات، والمواقف والمصالح المشتركة.
لقد أبدى الوفد الإعلامي السعودي حرصاً بَيّناً على التركيز على الموضوعات الثنائية؛ والملفات ذات الاهتمام المشترك والتي تتطابق عندها الرؤى، وتنحية موضوعات الاختلاف جانباً، والبناء على اللبنات المشتركة، إلا أن اللافت أن من التقوهم من الجانب التركي، كبرلمانيين عن حزب العدالة والتنمية، أو كباحثين في مركز أبحاث «حزبي» مشهور؛ اتقفوا على إقحام الشأن الداخلي المصري، وطرح موضوعات خارج إطار العلاقات الثنائية، متخذين من الحرص على ضرورة مواجهة التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي لعدد من الدول العربية والإسلامية ومواجهة الإرهاب، والتعصب الطائفي الذي تصدره إيران وميليشياتها التابعة لها إلى المنطقة؛ متخذين منه ذريعة للقول بأنه لا يمكن مواجهة هذا الخطر إلا بالتعاون الثلاثي بين تركيا والسعودية ومصر، إلا أن هذا الثلاثي «معطل» الفاعلية نظراً للأوضاع «غير الديمقراطية» في مصر - حسب زعمهم- وأنه «ينبغي للمملكة أن تقف مع الديمقراطية في مصر، وتضغط باتجاه اخراج السجناء، وتبوؤهم مراكز سياسية تليق بهم» هكذا بهذا اللفظ! بل وذهبوا لأبعد من ذلك للقول بأن «المملكة ركزت في فترة من الفترات على الشأن المصري، وأهملت الخطر الإيراني الحقيقي والمحدق مما سمح لهذا الأخير بالتمدد»! حينها، وجد الوفد الإعلامي نفسه مضطراً لوضع الأمور في نصابها، وتوضيح الحقائق، عبر تساؤلات بسيطة وغير مباشرة تم طرحها.. «ألسنا متفقين في موضوع الملف السوري؟ أو ليست طهران تحارب الشعب السوري؟ أو لسنا بحاجة لمواجهة التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون الدول العربية والإسلامية؟ إذن ما هو تقييمكم للعلاقات التركية الإيرانية على ضوء ذلك؟ وماذا كان موقف تركيا الرسمي في موضوع النووي الإيراني؟ وما هو سر الارتفاع المتزايد في حجم التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين؟ ثم إنه لم تشهد مصر في تاريخها الحديث تقارباً وانفتاحاً مع إيران كما شهدته في زمن تولي «المخلوع» مرسي مقاليد الحكم هناك.. حتى قالت مصر وتركيا حينها بأن «إيران جزء من الحل في سوريا» في الوقت الذي كنا نردد فيه أن «إيران جزء من المشكلة وينبغي منعها من التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية».. أما مصر اليوم فموقفها واضح لا لبس فيه تجاه التدخلات الإيرانية السافرة وهو مدعاة للتوافق التركي المصري ان صح ما ذكرتموه من تخوفكم من موضوع التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة!.. ثم لننحي كل ذلكجانباً، وندفع باتجاه الوحدة والتضامن لمواجهة التحديات والأخطار، خاصة وأننا نلمس أن الخلافات من الممكن تجاوزها والالتفات لما هو أهم وأنفع ويحقق المصالح المشتركة»..
ميزة مثل هذه اللقاءات أنها تتخفف من الرسميات، وتبعاتها، وتَسمع صوت الآخر بأريحية، وتُسمعه صوتك بوضوح، ما يسهم في خلق بيئة مناسبة لتفهم المواقف، وتدوير الزوايا، وكم وددت أن لا تقتصر اللقاءات على حزب بعينه، أو طيف بعينه، وأن تشمل قدر المستطاع ممثلي الشعب التركي بكل أطيافه.
إلى اللقاء.