محمد آل الشيخ
الرؤية الوطنية التي سيتم الإعلان عن تفاصيلها وخططها التنفيذية في 25 من شهر أبريل الجاري، هي كما يُقرأ من عناوينها ومؤشراتها، ستكون نقلة نوعية وتاريخية في علاقة المواطن وكذلك الوافد والمقيم، عاملا أو مستثمراً، بالحكومة، من خلال تنظيمات وإجراءات ووسائل، من شأنها في المحصلة التماهي (أولا) مع مصلحة الدولة العليا، و(ثانياً) مع مصلحة المواطن وأمنه واستقراره ورفاهيته.
التغيير والتطوير ومواكبة الظروف وما تحمله من مستجدات، هو من شروط بقاء الدول برمتها في عصرنا الحاضر، وكما قلت في مقالات سابقة، الجمود والتكلس في أجهزة الدول ونشاطاتها كالجمود في أجهزة الإنسان الحيوية الوظيفية، أو توقف دورته الدموية عن الدوران وخلاياه الحية عن التجدد، فالدول إذا توقفت أنشطتها الحيوية عن العمل والتجدد والتأقلم مع المتغيرات، فلا يمكن أن تبقى؛ وكل الدول على مر التاريخ التي سقطت، والحضارات التي تلاشت وانقضت، كان بسبب الجمود والتكلس وعدم القدرة على التجدد حسب مقتضيات ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية المعاصرة. وكما أقول دائما: العصر وحضارة العصر، والناس في هذا العصر، مثل ركاب العربة المسرعة في سيرها، من تركها واستعاض عنها بركوب الإبل والخيل والبغال والحمير كما كان أجدادنا يفعلون فلن يستطيع قطعا أن يلحق بهم، وسيظل (متخلفا) عنهم، ليجد نفسه في النهاية وحيدا في صحراء قاحلة مُكفهرّة، يقتاته الجوع والعوز والعطش.
وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه - كما يقولون - فكل الإرهاصات التي تسربت عن (مبادرة الرؤية الوطنية) تؤكد أن المملكة مقبلة بالفعل على مرحلة تنموية جديدة، وغير مسبوقة، شكلا ومضمونا، في تاريخها؛ وهي مبادرة تُبقي على المنطلقات الشرعية الوجودية للدولة، وترسخها أكثر، و(تجدد) حيويتها وقدرتها على البقاء والتأقلم مع المتغيرات العصرية، وخدمة الإنسان (أولا)، بما يكفل مواجهة التحديات التي يفرضها العصر، وترسخ الأمن والاستقرار ورفاهية المواطن، ملغية في الوقت نفسه كل الأسباب والعوامل التي من شأنها أن تهز علاقة الدولة بالمواطنين، والتي كانت - بالمناسبة - سببَ عدم قدرة بعض الأنظمة (العربية) حولنا على التعامل الصحيح مع التغيرات (فطنشتها) وأصرت على عدم الاستجابة للمستجدات، حتى عصفت بأمنها واستقرارها، وقد حاول بعض الأنظمة (متأخرة) التصحيح، ولكن بعد فوات الأوان, حينما بلغ السيل الزبى.
ويجب أن نتوقع كثيرا من العقبات الكأداء، والتحديات، التي ستواجه سياسات وتوجهات هذه المبادرة الوطنية الواعدة؛ فهناك من المتكلسين والمتخشبين من يظنون أنهم سيخسرون من التغيير كثيرا، أو أن مصالحهم ستتضرر منها، أو أنها ستقلص سلطاتهم ونفوذهم، غير أن الحلول الحضارية العملاقة لا بد وأن تكون في بعض تفاصيلها (مؤلمة) لبعض القلة المتنفذين على المدى القريب بقدر ما هي مبشرة و واعدة في نتائجها النهائية للأكثرية على المدى البعيد. والسياسي الحصيف يعنيه الأغلبية، ولا يكترث بالأقلية، وإن علت أصواتها.
ومن يقرأ تاريخ الدول التي هي الآن في مقدمة الركب العالمي حضاريا، سيجد أن (الإيقونة) الأهم في انطلاقة مسيرتها التنموية، كانت في أنها اتجهت بعزم لا يلين وبعقلانية لم تعقها العواطف، نحو المصلحة ومتطلباتها، فخلعت ثياب التقليدية الموروثة، ولبست ثياب العصر وخضعت بعقلانية لشروطه. هذا ما يقوله - مثلا - تاريخ الإمبراطور الياباني الشاب، حينما استلم الريادة (ميجي) في اليابان، الذي انطلق في نهاية القرن التاسع عشر باليابان إلى المعاصرة، وغير في آليات علاقات اليابانيين فيما بينهم، وعلاقة اليابانيين بالسلطة، واليابانيين بالعالم الخارجي، واستفاد مما وصل إليه (الغرب) فلسفيا وتطبيقيا، فأخذ بيد بلده إلى العصر الحديث والقوة والمنعة.
الرؤية الوطنية هي النقلة التي ستضعنا وطنا ومواطنين على الطريق الصحيح، وتجتث الماضوية، وتعلق بعض المتكلسين بالماضي.
إلى اللقاء