عبدالعزيز السماري
نحن على موعد مع الإعلان صباح اليوم عن الرؤية المستقبلية لبرنامج التحول الوطني، والذي أصبح أشبه بالحلم المنتظر الذي يعلق عليه المواطنون تحقيق أحلامهم في المستقبل، وأقرب لتلك النداءات التي لم تتوقف خلال العقود لإيجاد بدائل اقتصادية للنفط، وأجمل من تلك الأمنيات التي نرددها كلما كان الحوار حول مستقبل الوطن.
مقولة « العرب ظاهرة صوتية « لاقت رواجاً غير مسبوق، لأن العرب كانوا دائما ما يحتفلون قبل تحقيق الإنجاز، وقبل بدء تطبيقه على الأرض، وكانت الخطب الرنانة وإطلاق الوعود والأوصاف عادة ما تسبق العمل، ولكن تنتهي إلى الفشل بسبب الاحتفال المبالغ فيه قبل تحقيق الإنجاز.
كم أتمنى أن لا نحتفل قبل تحقيق الإنجاز، فإعلان خطة البرنامج لا يعني على الإطلاق نجاحها أو تحقيقها على الأرض، ويجب أن نتعامل معه بواقعية وبعقلانية، وأن نقرأ التفاصيل من أجل فهم أكثر، وأن لا نكتفي بقراءة الخطوط العريضة، وكذلك أيضاً أن لا نكتفي بتوجيه سهام النقد الجارح غير المبرر للبرنامج، وأن لا نسقطه أرضاً قبل البدء في مسيرة الإنجاز التي يقودها محمد بن سلمان، وأن نتعلم الدرس جيداً، فالإنجاز يتم عند تحقيق النتائج على الأرض، وليس حين إعلان خطة العمل لتحقيقها.
وقبل ذلك أن نطرح التساؤل الأهم، وهل سيكون في مقدوره إحداث التغيير، وهل سيكون في الموعد بعد عقد من الزمان لتحقيق حلم التحول الوطني نحو وطن المستقبل؟ أم سيكون كسابق عهده من خطط التنمية الخمسية السابقة، خطوط عريضة تتساقط حروفها بمرور الزمن واختلاف المراحل.
كم أتمنى أن لا نحتفل قبل أن ندرس أسباب فشل الخطط الخمسية السابقة، وعوامل فشل برامج توطين الوظائف في الخطط التنموية السابقة، وقبل أن يواكب البرنامج إصلاحات إدارية وتفعيل حقيقي لأنظمة الشفافية والرقابة الشعبية للموارد المالية وللمشاريع، وأن يكون هناك أهداف قصيرة الأجل وأخرى طويلة المدى.
وقبل أن ندرك أن من أهم أسباب الفشل خلال عقود من الزمان ذلك الحجم الهائل من العلاقات السلطوية في المجتمع، والتي تقوم على مصالح شخصية كبرى، ويُصعب تجاوزها أو الوقوف ضد مطالبها، وربما كان ذلك العائق الأول أمام تحديات التغيير، والقناة التي اختفت من خلالها الموارد الكبرى خلال العقود الماضية.
وقبل أن نعي بعقلانية متناهية أهمية الإصلاح القضائي وإخراج المحاكم المتخصصة إلى النور، وأن تقوم بدور فعال في إصلاح الحال الحقوقية أثناء تطبيق برامج التحول، فالقضاء هو مفتاح التغيير الحقيقي وبوابة دخول المستقبل، وأن تكون هناك مرجعية تشريعية تستند إليها المحاكم المتخصصة في إصدار أحكامها.
وقبل أن ندرس تجارب الغير، سواء الناجحة منها أو الفاشلة، وأن نحاول قدر الإمكان الاستفادة من تجاربهم، ولنا في تجارب ماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا خير الأمثلة الناجحة، وفي تجارب إيران وبعض الدول العربية أمثلة حية على الفشل التنموي في توجيه الموارد الوطنية لخدمة الناتج القومي.
وقبل أن ندرك أن أول معوقات البرنامج تلك البيروقراطية المغلقة، والتي أوجدتها النماذج المتكررة في تقديم المصالح الشخصية على الوطنية، وإذا لم يتم فك تلك الشفرة وتقديم مصالح الوطن والمواطن على الامتيازات الشخصية سيواجه البرنامج مصير عدم النجاح - وهو ما لا نتمناه، وستكون نتائج ذلك الفشل مأساوية.
وقبل أن ندرك أن فرض ضرائب على الخدمات المقدمة للمواطن يجب أن يواكبها خطط وطنية عملاقة لتوظيفهم في مشاريع اقتصادية كبرى، وأن يكون زيادة دخل الفرد هو هدفها، وذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن المواطن قليل الإنتاج وضعيف الدخل لا يمكن أن يكون مصدراً لثراء الدولة.
وقبل ذلك أن يدرك الجميع أننا نمر في مرحلة مفصلية في تاريخ اقتصاد الوطن، وأن عبورها يحتاج إلى عمل صامت، ولكن دؤوب ويهدف إلى تحقيق أهدافه على الأرض قبل الإعلان عنها، وإذا لم نلتزم بهذا المبدأ ستموت الأمنيات في مهدها، وسيتبخر الأمل في أجواء حرارة الاحتفال أو النقد قبل الإنجاز.
أكتب ذلك، وأنا في حالة تفاؤل وأمل كبير لنجاح البرنامج الوطني الكبير، وأن تكون في تطبيقاته وصفة الخروج النهائي من اقتصاد المورد الواحد، وتفاؤلي يأتي لوجود شخصية مختلفة مثل الأمير محمد بن سلمان، والذي هو في غاية الطموح والرغبة الصادقة من أجل الوصول إلى الأهداف الوطنية التي انتظرنا طويلاً بانتظار تحقيقها، والله المستعان.