رمضان جريدي العنزي
الإشاعة تشبه دخان المصانع وعوادم السيارات ومولدات الكهرباء ومواخير السفن، يدنس الجو والأرض والبيئة بأدخنته السامة، الإشاعة تشوّه الصفاء والبياض وتدمي النقاء وتطوح بكل جماليات الحياة، وتصبح كالعار أو الرجس المحرّم لا يجدي معها صرخة
ولا استجداء ولا نداء، تخرج الشائعة من نفوس قاصرة سقيمة ليتم تداولها سريعاً بلا تأمل أو تدبر أو تمحيص أو تدقيق، تنقلها الأفواه إلى الأفواه، وأجهزة التواصل إلى أجهزة التواصل، دونما حدود، ولا نقاط عبور، ولا لوحات تفتيش، ولا جمارك، ولا أسوار عالية، ولا تضاريس ولا معاقات مناخ، تسري بسرعة البرق إلى فضاءات يحددها مشيعوها سلفاً لتظل تكبر وتكبر حتى يكتشفها الناس لاحقاً بأنها مجرد بهْت وكذب ورواية عقيمة وقصة عارية تماماَ من الصحة، وأن مطلقيها ليس لهم أي أدنى مصداقية كلامية، ولا كياسة أخلاقية، ولا نبل ولا طهارة ولا بهاء، الإشاعة في حقيقتها وجوهرها لها قبح وليس لها جمال، لها سواد وليس لها بياض، عجلاتها المدولبة البشعة دائماً ما تمر في ممرات ضيقة وعسيرة، ودروب نائية، يدفعها المكر والخديعة ولون البهتان، لأنها مبنية أصلاً على إدّعاءات كاذبة لإغتيال الحقيقة وذبحها، والتي يحاول مطلقوها ومشيعوها إصابة شرعية مزعومة لأهداف تبدو نبيلة في ظاهرها، لكنها بغيضة ودنيئة في باطنها، الإشاعة مجرد كذب وبهتان وحفلات فسق ومجون وسرد سوداوي، مشيعوها ومطلقوها وحابكو سردها مجرد لصوص محترفين لإخفاء الحقيقة، إن للإشاعة فيروسات خطيرة، بل أحياناً مميتة، ويقيناً مني وإن تزيّنت بحلو الكلام، وعذوبة المنطق، ستظل مجرد وخامة صدئة عفنة، قصدها وغرضها وهدفها سيئ خصوصاً إذا ما جاءت الإشاعة من أجل مصلحة لذوات فردية أو جماعية أو كيانات عدائية، إن مطلقي الإشاعات وراسميها وحابكيها وناقليها هاجسهم الوحيد هو التشويه والإسقاط والتعرية بشتى الطرق، لذا نجدهم يتابعون بدقة الخط البياني لتلك الإشاعة ومدى حركتها في ذهنية ونفسية المتلقي وتغييرها وتبديلها كلما اقتضت الحاجة والغاية والمراد والمبتغى، إن الإشاعة مرض خبيث، وأصحابها دهاة في الخبث والرداءة، محترفون يؤدون أدوارهم على مسارح الجريمة والإجرام بتناه عجيب، هكذا هي الإشاعة تكون دائماً صادمة ومخيفة تطرق الأبواب، ناقلة الكذب والزيف والتزوير، لا يقصد بها سوى التشويه والتشهير والإيذاء والغدر، مشيعوها فاشلون أصحاب مشاريع فاشلة، يتلبسون الحقد والحسد والعفن، فاشلون يؤطرون لخيبات فاشلة، يحاولون تجفيف الآبار الممتلئة، لتيبس الأرض لكي تصبح بوراً خراباً لا تنتج إلا شوكاً وحنظلا، أنهم يحاولون حرق الحقول النظرة، والبساتين المثمرة، إن محترفي الإشاعة مثل ذلك الذي يحاول باستماتة إخراج رأسه مالقفص الزجاجي لأنه لا يعير أهمية إن جرح الزجاج رأسه لفرط غبائه، أنهم يتناسلون مثل دود من نتؤات الأرض، نباتات شوكية سامة، غربان تنعق للخراب، لا يحبون الحياة النظيفة، ويكرهون البهاء، ولا عندهم تطلع سوى ممارسة اللغو، والكذب الصرح، يهوون التنظير وتأطير الإشاعات المغرضة، لا لأجل التطور والعلو والنمو، بقدر ما هو للنكوص والتخلف والموت البطيء، يعشقون البلبلة والتأليب والانتقاص ولون السواد ومساحات العفن والدبق، لا يحبون الورد بكل أشكاله وأنواعه وروائحه، ولا يعرفون كيف ولمن وفي أي مناسبة يهدى، إن على الجميع عدم الالتفات إلى الإشاعات البتة، وعدم الاهتمام لمطلقيها ومنظريها ومروجيها وحابكي سردها وتفاصيلها، إن أصحاب الإشاعات قد يستطيعون الاختباء خلف ستائر إشاعتهم كثيراَ من الوقت، لكن لن يستطيعوا خداع الناس كل الوقت، ولن ينجحوا مطلقاً بقطف ثمار إشاعاتهم لأنها نية فاسدة، حتى وإن خططوا وتصوروا وأرادوا وحلموا وابتغوا، وجمعوا لذلك الرجلية والركبان.