جاسر عبدالعزيز الجاسر
اهتمام المراكز الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية الذي انعكس على وسائل الإعلام الغربية، خاصة في ثلاثة من أهم دول صنع القرار الدولي، ونعني الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، يؤكد أن ما يتم في المملكة العربية السعودية، أصبح الشغل الشاغل لتلك المراكز والقيادات السياسية والاقتصادية.
وقد أظهرت الزيارة الرابعة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما للمملكة، فالرئيس الأمريكي تجاوز أقرانه الرؤساء الآخرين بقيامه بأربع زيارات للمملكة بعد وصوله إلى البيت الأبيض، وهو ما لم يفعله إزاء أي دولة أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وهذه الزيارات تأكيد على أهمية العلاقات السعودية- الأمريكية التي ستظل مدعمة ومجسدة للشراكة الاستراتيجية للبلدين رغم ما شاب هذه العلاقة من الضعف وصل في أحيان كثيرة إلى حالة من التوتر، إلا أن كلا البلدين يعلمان أن شراكتهما الاستراتيجية لا بد منها، وبالذات قيادة المملكة العربية السعودية.
وقد أقدم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على اتخاذ الكثير من المبادرات التي تعزز التقارب بين البلدين وتجاوز ما قامت به الإدارة الأمريكية الحالية من خلال ما يسمى بفكر أوباما الذي جعل الأمريكيين يقدمون على القيام بالعديد من الممارسات الخاطئة التي أثرت على الشراكة الاستراتيجية ليس مع المملكة العربية السعودية، بل على مجمل العلاقات الأمريكية العربية وبالذات الخليجية، وهي ممارسات وخطوات فاجأت العرب جميعاً وبالذات السعوديين ومنها سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2010 وترك العراق ساحة نفوذ مطلق لنظام ملالي إيران وتدعيم خيارهم نوري المالكي الذي عزز الطائفية وفرق بين المكونات العراقية الثلاثة، مما أسهم في استيلاء تنظيم داعش على ثلث العراق، وهذه الممارسات الأمريكية الخاطئة تكررت بل وثقتها الاتفاق النووي الغربي مع نظام ملالي إيران الذي سمح لنظام متخلف وطائفي عنصري على وضع يده والتمدد في أربعة أقطار عربية مهمة ولولا التحرك السعودي الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين من خلال عاصفة الحزم لواصل نظام ملالي إيران التهامه لباقي دول الخليج العربية والجزيرة.
ويرى العديد من الباحثين الأمريكيين بالذات الذين نشروا خلاصة أبحاثهم في صحف أمريكية مهمة ومميزة كنيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، ومجلة فورين بوليس، أنه في مواجهة تآكل وضعف الفعل الأمريكي خاصة والغربي بصفة عامة، اتخذت المملكة مبادرات وإجراءات أطلق عليها الباحثون الأمريكيون والغربيون «مبدأ أو فكر سلمان» الذي فرض مرحلة جديدة في المنطقة اتسمت بالمبادرة بالعمل وليس انتظاره والاقتصار على ردة الفعل، وهذه المرحلة التي استحقت مسمى «الحزم والعزم» اهتمت بالدفاع عن مصالح المملكة ودول الخليج العربية بل وحتى المنطقة العربية لصد تجاوزات القوى الإقليمية والطائفية الطامعة وفي مقدمتها نظام ملالي إيران.
النهج الفعال للسياسة الخارجية السعودية الحاسمة لم تقتصر على تفعيل العمل العسكري والأمني الذي تمثل في مواجهة وكلاء ملالي إيران في اليمن وقبلها في البحرين، بل أيضاً في دعم الدول العربية المهمة الأخرى كمصر والأردن والمغرب، مع قطع المساعدات عن الدول التي خضعت للنفوذ والهيمنة الإيرانية، وهذا التحرك الإيجابي الفعال الذي عزز الحضور السعودي إقليمياً ورفع من درجة إسهامها في صياغة القرار الدولي، عزز بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي وإن اتخذت أسلوب المبادرات المتدرجة إلا أنها تهدف إلى رسم خارطة لمستقبل واعد يتوافق ويتناسب مع مكانة المملكة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وقبل كل ذلك المكانة الروحية التي تربط أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مسلم بها، وكونها موئل العرب، وهو ما يتطلب أن تتنامى مع كل هذه المقومات وتكون واحدة من أهم أماكن صنع القرار الإقليمي والقرار الدولي معاً.