زكية إبراهيم الحجي
العمل التطوعي أو كما يُسمى حديثاً في أدبيات التنمية»رأس المال الاجتماعي»يشكل في الفكر الإنساني أحد الروافد الأساسية للنهوض بالمجتمع.. وتحقيق التنمية الشاملة من خلال مشاركة أفراد المجتمع في الجهود المبذولة للتخفيف من معاناة البعض.. ومد جسور التواصل مع الآخرين ضمن الدوائر المجتمعية الأوسع بغية تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي.. كما أنه يمثل أحد مقومات مساندة الجهود الحكومية في مختلف مجالات الحياة..
ويعطي مؤشرات صادقة عن مستوى شعور أفراد المجتمع بالمواطنة النابعة من عمق ولائهم لوطنهم ومجتمعهم والإحساس بالمسئولية الذاتية التي تنمُّ عن روح الإنسانية السمحة في نظرتها للبشر أياً كانوا
ولأن العمل التطوعي ركيزة أساسية لنجاح برامج الخدمة الاجتماعية وما تقوم به من نشاط لرعاية أفراد المجتمع التي تعمل من أجله لذا فإن تطور العمل التطوعي في أي مجتمع من المجتمعات ما هو إلا انعكاس لتطور الخدمات الاجتماعية المقدمة للمجتمع المعني.. ومقياس حقيقي للرعاية التي تمنحها الدولة بمؤسساتها المختلفة لأفراد المجتمع.
وانطلاقاً من العلاقة التي تربط بين العمل الاجتماعي والمورد البشري فيمكن القول بأن عماد المورد البشري الممارِس للعمل الاجتماعي هم الشباب.. فحماس الشباب وانتماؤهم لمجتمعهم كفيلان بدعم ومساندة العمل التطوعي والرقي بمستواه ومضمونه.. فضلاً عن أنه سيراكم خبرات وقدرات ومهارات الشباب والتي سيكونون في أمس الحاجة لها خاصة في مرحلة تكوينهم ومرحلة ممارستهم لحياتهم العملية
ونظراً لما يمثله العمل الاجتماعي من فضاء رحب وما يتسم به من أهمية بالغة في ربط قيمة العمل بغاياته المعنوية والإنسانية وما يتيحه للشباب من فرص تنمية قدراتهم ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية فقد حظي العمل التطوعي بدعم الدولة وتشجيعها ورعايتها وأولته اهتماماً بالغاً حتى أصبح له مكان في خطط التنمية وبرامج الدولة التي جعلت من المواطن السعودي الوسيلة والغاية معاً.. وإيماناً منها بأن العمل التطوعي لم يعد قاصراً على تقديم المساعدات المالية فحسب.. بل تعدى ذلك إلى أن يكون عملاً شاملاً لمختلف الأنشطة
ومما يُثلج الصدر حقيقة ويُشعرنا بالفخر والاعتزاز.. ما نراه اليوم من إقبال كبير لفئة الشباب نحو الانخراط في الأنشطة التطوعية على اختلاف أنواعها مما يؤكد على عمق مفهومه لديهم وأنه تجسيد لصور الانتماء للجماعة والمجتمع ودعم للتنمية البشرية التي يسعى الوطن للنهوض والارتقاء بها.
ولأن التطوع ظاهرة صحية ومهمة للدلالة على حيوية وايجابية شباب وفتيات الوطن.. ولأن أهم ما يبرزه هذا العمل هو إظهار الصورة الإنسانية للمجتمع بما فيها من لمسة حانية بعيدة ومجردة من أي صراع ونظراً لتزايد وتصاعد أعداد الشباب المنخرطين فيه في مختلف مدن المملكة.. فإن هذا العمل يواجه بعض المعوقات التي قد تحد من فاعليته بالشكل المطلوب ولعل أبرزها تقصير وسائل الإعلام في إلقاء مزيد من الضوء على ماهية العمل التطوعي ومدى حاجة المجتمع إليه.. وتبصيرهم بأهميته ودوره في عملية التنمية وإبراز دور العاملين في هذا المجال بطريقة تكسبهم الاحترام الذاتي واحترام الآخرين.. قلة الدورات التي تهدف إلى تأهيل المتطوعين وتدريبهم لتعميق خبرتهم والاستفادة من طاقاتهم يضاف إلى ذلك ضعف الدعم المادي وقلة الموارد الاقتصادية.. غياب نشر ثقافة التطوع بدءاً من البيت ثم المدرسة وانتهاءً بدور المجتمع لتعزيز هذه الثقافة.
العمل التطوعي ممارسة إنسانية ومساحة واسعة وغير محدودة أمام الراغبين والمهتمين بالتطوع.. لذلك فإن المؤسسات التربوية والتعليمية ووسائل الإعلام على اختلافها ينبغي أن تكون صاحبة الدور الأهم والأول في تنشيط رأس المال الاجتماعي ألا وهو العمل التطوعي.