ياسر صالح البهيجان
يُعرف مركز الترفيه العائلي عالمياً بأنه متنزّه يضم فعاليّات وأنشطة تسعى إلى جذب أفراد الأسرة كافة بمختلف فئاتهم العمريّة، وعادة ما يشترك في تنفيذها منظمات اجتماعيّة غير ربحيّة تقدّم متاحف تعليمية للأطفال، ومراكز للاكتشاف والابتكار..
وتطوير الذات بواسطة دمج الترفيه بالتعليم وفق أساليب حديثة ومبتكرة تتواكب مع التطورات التكنولوجيّة المتجددة والمتسارعة.
ويعود تاريخ إنشاء مراكز الترفيه العائليّة إلى عام 1977م عندما ابتكر مطعم بيتزا في ولاية كاليفورنيا الأمريكيّة فكرة إيجاد منطقة للعب الأطفال كوسيلة لجذب الأسر نحوه، وبدأ أهالي الولاية يتوافدون ليس لتناول وجبة الغداء فحسب، وإنما ليعيش أطفالهم كذلك وقتاً من المتعة، ومن هذه الخطوة الناجحة تلقفت المنظمات التي تُعنى بصناعة الترفيه فكرة بناء مراكز كبرى تضمّ تحت سقفها محالّ لبيع سلع التجزئة، ومطاعم تقدم أطباقاً متنوّعة، وقاعات مخصصة للعب الأطفال، وصالات تنسجم مع تطلعات الشباب والفتيات باحتوائها على حدائق مائية ومساحة للتزلّج فوق الجليد الاصطناعي وطاولات للعبة البلياردو والبولنج وغيرها من الأنشطة الترفيهية الجاذبة للسكّان.
وإن عدنا بالنظر إلى واقع مراكز الترفيه العائليّة في المملكة فإننا نجد قصوراً واضحاً في هذا الاتجاه، ويظهر ذلك القصور في تكدّس الأسر عند المطاعم الشهيرة حتى تحوّل الأكل من غريزة فطريّة لسدّ احتياجات الإنسان إلى وقت للمتعة والتقاط الصوّر للأطباق المتناثرة على الطاولة وبثّها عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن كسر حدّة الروتين اليومي، ومنتظرين في الآن ذاته أقرب فرصة للسّفر إلى بلدان مجاورة للاستمتاع بمراكز عائليّة تخلو مدنهم الحضرية منها.
غياب المراكز الترفيهيّة العائليّة يقدم تفسيراً منطقياً لهجرة أموال المواطنين السعوديين إلى الخارج في مواسم السياحة، إذ تشير التقديرات إلى أن مقدار ما ينفقونه يتجاوز 60 مليار ريال، وكان بالإمكان الإبقاء على هذه السيولة النقديّة الضخمة داخل منظومة الاقتصاد السعودي لو جرى التخطيط المتقن بتأسيس تلك المراكز وفق معايير دوليّة وبناءً على دراسات تدرك احتياجات المجتمع ورغبات أفراده في الجوانب الترفيهية التي لم تعد ترفاً في ظل تسارع وتيرة الحياة وتزايد الضغوط اليوميّة.
وإنشاء المراكز الترفيهية لا تعني تخلي المجتمع السعودي عن خصوصيته وثوابته كما قد يعتقد بعض من اعتاد التوجّس من أية وسيلة تهدف إلى الإمتاع، إذ بالإمكان توفير تلك المراكز وفق مبادئ المجتمع وبما ينسجم مع تكوينه الديني والثقافي والاجتماعي، دون أن نغفل العامل الإيجابي الذي يمثله المركز الترفيهي على مستوى تعزيز العلاقات الإيجابيّة داخل الأسرة مع اتساع فجوة الصلة فيما بين الآباء والأبناء، وخلو التواصل بينهم للبيئة التي تتسم بالمرح والمتعة.
والحقيقة أننا لسنا بصدد إعادة اختراع العجلة، فالنماذج الناجحة في صناعة الترفيه حول العالم يعزّ حصرها، والاستفادة من التجارب الدوليّة في هذا المجال ليست أمراً عسيراً إن وجدت الرغبة الجادة لدى الجهات المعنيّة، في وقت تتجه فيه المملكة إلى إيجاد أرضيّة جديدة قادرة على توفير اقتصاد متنوّع ينعتق مع رباط الصادرات النفطيّة.