د. فهد بن علي العليان
قبل أشهر عديدة، أقامت جامعة اليمامة – مشكورةً - «ملتقى المسرح الأول» مستضيفة الممثل القدير الدكتور راشد الشمراني، تلقيت الدعوة وقررت تلبيتها تقديرا للداعي؛ حيث ذهبت صباح ذلك اليوم إلى الجامعة والشوق يملؤني إلى لقاء الداعي والأنس بالمدعوين.
أحسست وأنا أقود سيارتي – شوقا للقاء- أن المسافة ليست قريبة؛ إذ إن الرغبة في اختصار الوقت زاده طولا، ومع ذلك كانت سيارتي تتجاوز السيارات على يمينها، وتلتهمها السيارات في الجهة اليسرى، وتفكيري لم يكن إلا في اللقاء والمسرح والإذاعة والمذياع.
في الطريق المزدحم، ارتحل خيالي وعادت بي الذاكرة إلى ماقبل ثلاثة عقود أو أكثر بقليل حينما شاركت في الإذاعة المدرسية أثناء دراسة المرحلة الابتدائية، أقول المقدمة وأقرأ النثر وأتغنى بالشعر، ثم استمر ذلك في المرحلة المتوسطة حينما تزينت متوسطة الإمام أحمد في مدينة الرياض بمسرحها الخشبي في فناء المدرسة بستائر ليست تستر كثيراً، لكن المعلمين والطلاب آنذاك يبذلون وقتهم وجهدهم من أجل إنجاح المسرح والمسرحية. وقفت على خشبة المسرح مع زملاء – بعضهم أصدقاء إلى هذا اليوم وآخرون انحدروا في وادي الحياة - وأدينا أدوارنا بكل طموح لكسب رضا المشرف المسرحي – ابن السودان - الأستاذ القدير: عبدالعظيم ولكسب الجولة مع زملائنا الطلاب. أقفل ستار المسرح، وانتهت المسرحية، وانطلقت يصحبني المذياع كل صباح تقديما وإلقاء، لكنني أنتظر المسرحية، حينها كانت المرحلة الثانوية فكانت الوقفات على المسرح في المدرسة وفي مسرح إدارة تعليم الرياض لنقدم مسرحية (في انتظار القطار) للمبدع الكاتب مشعل الرشيد ولإلقاء بعض القصائد في مسابقة إلقاء الشعر العربي الذي تفوق به كاتب هذه السطور محققا المركز الأول في عامي 1405- 1406 هـ على مستوى الإدارة. كنت – بفضل الله – أقول القصيدة والأخرى، أعيش الدور بكل تفاصيله قياما وقعودا وحركةً على المسرح، وما زلت أحفظ تلك القصائد، ولكم أن تختبروني
هل يمكن لي أن أنسى قصيدة ابن عثيمين:
العز والمجد في الهندية القضب
لا في الرسائل والتنميق للخطب
وهل يمكن لي أن أنسى خروج دمعاتي مع دمعات (أبي البقاء الرندي) وهو يقول:
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة
حتى المنابر ترثي وهي عيدان
سقطت دمعة، وما سقط المسرح، بل قادني هذا المركز وأهلني للمشاركة في الحفل الختامي للإدارة فقابلت آنذاك الأستاذ الكبير والمخرج القدير معلمي حسين مليس الذي انتصر للأداء بعيداً عن مكان المدرسة الجغرافي. انتهى الحفل ثم يضمني حسين مليس إلى صدره حينها شعرت أن قلبه كان يتحدث عن علاقة مودة وتقدير للإنجاز المشترك على خشبة المسرح، ثم افترقنا وذهبت للجامعة ثم البعثة، ولم يزل في ذاكرتي وخيالي أبحث عنه.
أستأذنكم أيها القراء الكرام، انقطع حبل الماضي وصلت الآن جامعة اليمامة وأراه رأي العين أمامي أنيقا كما كان، توقفت مباشرة أمام البوابة التي يقف بها وقلت له: أستاذ حسين مليس أنا تلميذك فهد العليان، ثم يضمني إلى صدره كما فعل من قبل، ونفسي تقول: يا الله، ما أجمل اللقاء بعد انقطاع .
أقول لكم في الختام - الذي لا أريده أن ينهي حكايتي مع أستاذي- : بعد ثلاثين عاماً قابل صاحبكم أستاذه المخرج المسرحي حسين مليس في جامعة اليمامة، وفي نفسه تدور أسئلة: كيف حال المسرح في مدارسنا هذه الأيام، وكبف واقع الإذاعة المدرسية؟
لا أملك الجواب، وأرجو حسن الحال، ولا أتوقعه!
المسرح مدرسة !