د. خيرية السقاف
قلتَ, فجرحْتَ, ولسانُ حالكَ يقول: لم أفعل شيئاً..!
لأنك لا تحسب للقول حساباً, مع أن المرءَ معقودٌ بقوله..!!
ألا تكونُ العقودُ الأولى في الحياة بالنطق بالقول: الشهادة, ونية الزواج, واتفاق التجارة, وتحديد العقوبة, وقصد السبيل, والخيارات, و.. و..
وفي الختام تأكيد المنطوق بشد الأيدي, أو بابتسامة الظفر, أو بدمعة الخيبة..؟
وتقول وتؤلم, تنصلاً من عهد, أوتحللاً من موقف, أو شهادة بزور, أوإمعاناً في كذب, أو إيقاعاً في نميمة, أو إيغارَ صدرٍ..
وأشد ما تقول فتُهْلِكُ بما تقول نفسَك, وسواك يكون حين يكون قولك مشاعا على ملأ لا يمكن حصرهم, ولا جمعهم, ولا الوصول إلى قناعاتهم, فيذهبون بما قلتَ يرددون, بحِمْلِه, ووزره, وكذبه, وتجاوزه, وسوء عاقبته..!
مع أنهم يعلمون, وأنت تعلم هناك رقيب وضعه الله ليشهد على ما تنطقون..!!
كثيرٌ من الناس ذهبوا ضحية ما تقول, ونفرٌ من قرباك باءت آمالهم فيك إلى مدارك الخيبات, وبيوتاً هدمتها, وثقةً حطَّمتها, وتفاؤلاً بدَّدته, ووداً شتَّته بقولك, وأنت تلقيه, تتخلص منه كما تخلص جسدك من الثوب, ومكاناً عبرت به من نزولك فيه..
قولك مُكالٌ لك, موزونٌ عليك..
فهل تخيلت موازينه ..؟!
هل تفكرت في حجمِها ثقلَـه, لونَه, طعمَه, آثاره..؟
إذ كما لقولكَ من آثار في الناس فرادى, أو جماعات, فإنه في الميزان ينتظركَ بكل ذلك..
فإن أنت ألقيته ونسيته, فإنه يقف هناك في الميزان ينتظرك لا ينساكَ..
فتخيل كيف يحاسبكَ قولك..؟
ما الذي سيكشحه في وجهكَ من غضبه, وسخطه, وحسرته منكَ لا عليك..
أتدري لماذا ..؟!
لأن الكلام حروفٌ, جُمَلُـها اختياركَ, دلالاتها مقاصدكَ, فإن أنت ركَّبتها على غير وجوه الحقِ, والحب, والصدق, والرفق, والجمال, والنبل, فإنها حتما ستقع في خيبتها منك..!
فإن كنتَ ذا عقل يتفكر، فلتُغَـلِّبه على قلبِكَ إن كان قلبكَ في بؤرة عتمة..
وإن كنتَ ذا قلب يتصبَّر, فلتُغَـلِّبه على عقلكَ إن كان قلبُـكَ في فسحة بصيرةٍ..!!
وانجُ بكلامكَ من كلامك..!
امنح الحروفَ على لسانك أن تكون جُملَ طيبٍ, وجسرَ تقريبٍ..
فأقوالك هي أفعالك !!..
فكلُّ بَـدءٍ يجيءُ قولا ً!!..
إن الحياةَ مضمارُكَ بين ما تقول, وما تؤول..!!