يوسف المحيميد
أحيانًا حينما تكون في مكان ضخم، يقود البلاد بمشورته، في كثير من الموضوعات المهمة والحساسة، تتنبه للأشياء الصغيرة التي قد لا تلفت أحدًا، حينما يكون المكان فارهاً وفخماً، وبأسقف عالية جداً، وجدران مبطّنة بالقماش الأخضر كما لو كانت من قصور هنري الثامن، ترمي بصرك نحو الأسفل، حيث مجموعة طلاب أشقياء من المرحلة المتوسطة يهرولون بشغب، صوب قاعة اجتماعات أعضاء مجلس الشورى، لحضور النقاش والتصويت في إحدى الجلسات!
كنا ككتّاب رأي وضيوف للمجلس، نخرج من القاعة بعدما استمعنا إلى بعض النقاش، بينما يدخل طلاب إحدى مدارس الرياض، في زيارة إلى المجلس، وهي تجربة عظيمة بالنسبة لهؤلاء، أن يتفهموا باكرًا معنى الحوار، والتصويت، وأن القرار لا يتفرد به شخص واحد، وإنما هو نتاج عملية ديمقراطية اسمها التصويت، تتخذه الأغلبية، لكنني تساءلت في داخلي، هل جاؤوا للنزهة؟ أم تراهم يفهمون معنى هذه الزيارة؟ ويلتقطون الرسالة التي تصلهم من هذه الجولة؟ هل لديهم مدرسون يشرحون لهم أهمية الزيارة؟ ويقومون معهم بتجربة مصغرة في الفصل، أو حتى المدرسة، بالتصويت على قرار صغير يخصهم كطلاب بالمدرسة؟ ويتخذون القرار بتصويت الأغلبية؟ أتمنى أن ذلك يحدث حقاً، حتى يكون لزيارة مجلس الشورى معنى في حياتهم، وفي مستقبلهم، على المستوى الأُسَري والوظيفي والاجتماعي.
بعدما مروا بجوارنا يحملون ابتسامتهم وضحكاتهم، سألني صاحبي، ما رأيك بالعضو الذي نبهتك لمتابعته منذ أن جلسنا؟ سحبت نفساً عميقاً، وتنهدت بحسرة على المشهد الصغير في مجلس كبير، ينتظره المواطنون يوم الثلاثاء من كل أسبوع!
أحد الزملاء الكتّاب، ممن يمتلك بصراً مشاغباً، بينما نجلس في مكان الضيوف أعلى القاعة، وننظر للأعضاء في الأسفل، نبهني إلى أحد أعضاء المجلس، كيف كان منذ جلسنا، وحتى خرجنا، لمدة تزيد عن نصف ساعة، وهو منشغل بجواله، حيث كان، كما نظن، في محادثة مهمة في (الواتساب)، فلا يكاد يضعه جانباً، حتى يومض التنبيه بجواله، فيعود يكتب من جديد في حوار خارجي، بعيد عن المجلس وهمومه!
في مقالي السابق تحدثت عن ما يحدث داخل المجلس من تأخر بعض الأعضاء في الاطلاع على موضوعات الجلسة، فإما ينشغلون بقراءة الملفات أمامهم ولا ينصتون للحوار، أو العكس، ينصتون للحوار دون أن يفهموا شيئاً، لكن النموذج الأخير، ليس منشغلاً بالقراءة، ولا بالحوار الدائر تحت قبة الشورى، وإنما منشغل بحوار آخر، تحت قبة (الواتساب)، متجاهلاً الأمانة في عنقه تجاه هذا الوطن العظيم!