محمد أبا الخيل
نحن نخبة من التنفيذيين في القطاع العام والخاص اشتركنا في برنامج (السعودية - أكسفورد للقيادة المتقدمة) عام 2010م، ومنذ ذلك الحين ونحن نلتقي دورياً كل شهر، وخلال ذلك نتناقش في شؤون تنموية عامة، كان لقاؤنا الأخير يوم الأحد الماضي، وكان الحوار والنقاش عن (رؤية السعودية 2030) ومشروع (التحول الوطني). الجميع كان متفائلاً ومتحفزاً للمساهمة في تحقيق ذلك وبناء مجتمع عصري، لذا انحصر النقاش في محاولة الإجابة على (كيف نبدأ ومن أين نبدأ؟)، هل نبدأ بالتعليم والتدريب فنحسِّن المناهج ونستثمر في أنظمة ووسائل التعليم والبيئة التعليمية، ونرفع من درجة الكفاءات الإنتاجية لدى المواطنين بالتدريب الموجه والنوعي؟ أم نبدأ بالاقتصاد فنخصص ما يجب تخصيصه وننمي موارد الدولة بتحسين بيئة الأعمال ونحسّن بيئة الاستثمار ونعتني بالحوكمة ونرفع درجة المسؤولية؟، أم نبدأ بتحسين الأداء الحكومي من خلال تطوير الإجراءات والتمكين للتعاملات الإلكترونية ووضع مؤشرات الأداء وتحميل الموظفين مسؤولية تحقيق أهداف خططهم، ومكافحة الفساد؟
لم يكن من السهل الاتفاق حول ما يجب أن يكون أولوية أولى من تلك المحاور، فكلها أولويات متضافرة وكل منها يمثل دعماً أو إعاقة للمحاور الأخرى، وذلك يعتمد على مدى التطوير والتوفيق في ذلك لأي من المحاور، ولكن كان واضحاً لكل المحاورين أن بين تلك المحاور مشتركاً أعظم اتفق الجميع أنه هو الأولى بالعناية والتطوير، فهو المحرك لعملية التحول وهو المحقق للرؤية، ذلك هو الفرد المواطن المؤثر في محيطه، فهذا المواطن قد يكون معلماً في مدرسة أو موظفاً في دائرة أو عسكرياً في مخفر للأمن والحماية، أو واعظاً في مسجد أو قاضياً في محكمة أو تاجراً في تجارة أو طبيبة أو ربة منزل، هذا المواطن يجب أن يتحول في ذاته أولاً ليصبح أساس البناء التنموي والحضاري، هذا المواطن إذا لم يكن جاهزاً للتحول عن قناعة وسلوك وطموح فلن يحدث الكثير.
من هذا المواطن يجب أن يبدأ التحول الوطني، وأعني بالتحول الذي يجب على المواطن الاضطلاع به، هو تحوُّل ذاتي، تحوُّل في الممارسة الحياتية، وتحوُّل في الأخلاق العامة، وتحوُّل في الصيغ الفكرية التي يبني عليها أحكامه وقراراته، الممارسة الجمعية للمجتمع السعودي ما زالت غير مناسبة لمجتمع يطمع في التحول للمستقبل، فنحن بحاجة للتخلي عن التواكل والتسويف وتحمُّل مسؤولية قراراتنا واختياراتنا وعدم الإغراق في غيبيات (الحسد والسحر والقدر)، فكل هذه أعذار للأخطاء لا تشجع الفرد على تصحيح الأخطاء وتحمُّلها، نحن بحاجة للتخلي عن الفوضى والتلقائية في حياتنا واستبدال ذلك بالانتظام والالتزام والتخطيط لنشاطاتنا الحياتية، المواطن بحاجة للتحوُّل لمكارم الأخلاق والتي بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليتممها، الصدق والأمانة والكياسة والرحمة والعطف والنظافة في النفس والمنطق، وهذه الأخلاق ليست غريبة فمعظم المجتمع ملتزم بها، ولكن لا بد من سيادتها لتكون عامل إلفة وتقارب بين المواطنين.
وأهم ما يجب أن يُولى عناية هامة في التحول الذاتي هو التحول عن الصيغ الذهنية غير المناسبة للتنمية لصيغ ذهنية جديدة، والصيغ الذهنية تمثّل أفكاراً أو معتقدات ترسّخت في الذهن فباتت تحكم التصرفات والقرارات الفردية. هذه الصيغ كثيرة ويضيق المقال عن حصرها، ولكن من هذه الصيغ (العنصرية) حيث يجد فردٌ في ذاته سمواً على غيره لسبب يتعلق باللون أو الأصل أو الطبيعة، ومن الصيغ الذهنية غير المناسبة (العدائية للمختلف) حيث يمارس الفرد نفوراً لمن يختلف معه في المذهب أو الفكر أو حتى تفسير الظواهر الطبيعية، إن التحول عن الصيغ الذهنية يحتاج لجهد جمعي ولجهد فردي، فالجهد الجمعي هو ما يجب أن ترعاه الدولة من خلال وسائل الإعلام والمناشط الثقافية والحوارات الفكرية، والجهد الفردي هو في تمثُّل صيغ ذهنية جديدة مثل (الإخاء الوطني) وتقمُّص دور القدوة الحسنة بحيث يجد الإنسان الآخر صورة يطمح لها.
نرجو الله أن يُوفقنا - قيادةً وشعباً - لبلوغ المرام الذي نطمح له ونتمناه (رؤية 2030).