د. حمزة السالم
إذا لم يقاتل الطالب لمعرفة حل مسألة ما، فلن يتمكّن قط من الاستقلالية الفكرية التي تمنحه فيما بعد المقدرة على حل المشاكل ولو كانت بسيطة، وهو بعد ذلك أعجز من اللحاق بالتطور السريع فضلاً عن أن يشارك في التطوير. فالتطوير لا يأتي عبثاً، إنما أصله مشكلة أو عقبة واجهت المفكر فبحث عن حل لها فأتى بشيء جديد. والجديد تغيير، فلا يمكن أن يصدر التطوير إلا من شخص مستقل فكرياً.
والحضارة الحديثة لم تأت على طبق من الذهب لدول الغرب، بل جاءت عبر قرون من الآلام في التجارب والمحاولات لإيجاد الحلول . فمعركة إيجاد الحلول هي التي بنت ثقافة الاستقلالية الفكرية وبالتالي القدرة على التحليل وبالتالي التطوير. وبلادنا كغيرها من البلاد التي تفتحت على الحضارة الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية. فهي ككوريا مثلاً والدول الناشئة عموماً، لم تسهم في بناء الحضارة الحديثة وإنما استوردتها. والاستيراد للعلوم والصناعات هو مرحلة من مراحل التحول السريع للحضارة الحديثة. ولكن استقلالية الشعوب واعتمادها على نفسها لا على الاستيراد، لا تتحقق إلا باستقلالية العقول. فبناء العقول هو الذي حول كوريا من بلد مستورد للحضارة الحديثة إلى بلد مصدر للحضارة ومنافس فيها. وسكرة النفط هي التي أبقت بلادنا تراوح في مرحلة الاستيراد.
فالإصلاحات الطموحة ستتحقق إذا ما تحقق العقل السعودي. فاستجلاب العقول في قالب الشركات الاستشارية الأجنبية هو بعض النتائج السلبية للنفط الذي أوكلنا للاستيراد. والزمن اليوم أسرع من تنفيذ الخطط. فحتى لو نجحت الخطط الإصلاحية سيأتي نجاحها في زمن قد تعداها، ويكفي شاهداً على ذلك أن كثيراً من الخطط التنموية قد تحقق في بلادنا، ولكن المجتمع لا يراها لأن الزمن تعداها. فمن نحن قبل نصف قرن؟
فنجاح أي خطة إصلاح أو تنمية مرتهن ببناء مولد النمو والتطور، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا ببناء العقول.
وثقافتنا بأبعادها الأربعة، الديني، والسياسي والاجتماعي والأسري، كلها تعمل على قتل الاستقلالية الفكرية وتنمية العقل التبعي المقلد. ومن خضم هذه الثقافة تأسس نظامنا التعليمي. والمرحلة الجامعية بالذات، ليست مرحلة تلقين، بل مرحلة تدريس أدوات التفكير لتأهيل الطالب لمواجهة المتغيّرات والعقبات في حياته العملية، سواء أكانت صنعته مهنية أو تعليمية. ونظام تعليمنا ابن لثقافتنا التلقينية لذا فهو بعيد جداً عن بناء الاستقلالية الفكرية عند الطالب. فالمدرس الجامعي، غالباً، لا يملك الاستقلالية الفكرية ولا يدركها، والإدارات الجامعية أسوأ حالاً، فزادت الوضع سوءاً، لذا فهي تهتم بالديكورات والمظاهر حالها حال منظمات المجتمع الحكومية منها والخاصة.
ولهذا فإني أعتقد أن المعضلة تكمن في الدكتور الجامعي وفي نظام التعليم العالي. فإخراج الدكتور الجامعي من صندوق التبعية الفكرية إلى أفق الاستقلالية الفكرية هو أولى خطوات بناء العقل السعودي.، وللحديث بقية.