فضل بن سعد البوعينين
شدَّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء أهمية المشاركة المجتمعية لإنجاح «رؤية المملكة 2030»، بقوله: «آملين من أبنائنا وبناتنا المواطنين والمواطنات العمل معًا لتحقيق هذه الرؤية الطموحة». فأهداف الرؤية الطموحة لا يمكن تحقيقها بمعزل عن الشراكة الحكومية والمجتمعية من جهة، وشراكة الحكومة بالقطاع الخاص من جهة أخرى.
يبدو أن سقف التوقعات لدى المواطنين والمواطنات بات مرتفعًا جدًّا؛ ما قد يثقل كاهل الحكومة، ويضاعف من مسؤولياتها تجاه تحقيق أهداف الرؤية وفق جدولها الزمني، وهو أمر ينبغي التعامل معه بحذق، خاصة مع الأجهزة التنفيذية المسؤولة عن تحقيقها. ما زلتُ أعتقد أن جاهزية بعض المؤسسات التنفيذية لم تصل بعد حد الكفاءة المعينة على تحقيق الأهداف المرسومة؛ وهذا قد يتسبب في بطء الحركة، أو خلخلة التكامل الحكومي الذي لا يمكن تحقيق الأهداف إلا من خلاله. يمكن التعامل مع هذا التحدي من جانبَيْن رئيسَيْن. يرتبط الجانب الأول بالتركيز على القطاعات الجاهزة للتحوُّل، التي لا تحتاج إلى إجراءات هيكلية عميقة، وإصلاحات معقدة ومتشعبة تستنزف الجهد والوقت؛ فمن خلالها يمكن تحقيق الانطلاقة السريعة، ورفع مؤشر التفاؤل، وخلق التنافسية المحمودة بين فرق العمل وقطاعات الحكومة المعنية بالتنفيذ.
وأضرب مثالاً بالقطاع السياحي، الذي لا يحتاج إلا إلى الدعم المالي، وتنفيذ البرامج المعطلة، وإطلاق يد «هيئة السياحة» لتنفيذ رؤاها المتقدمة التي تعتبر جزءًا أصيلاً من رؤية المملكة 2030. مشروع العقير من أهم المشروعات والوجهات السياحية المعطلة، بالرغم من إنشاء شركتها ورصد رأس المال، وجاهزية الخطط والبرامج المرتبطة بها. تطوير الجزر السياحية ربما يكون ضمن الأهداف المهمة والقابلة للتنفيذ السريع. التركيز على جزيرة واحدة كنموذج أولي يعاد استنساخه مستقبلاً سيضمن سرعة الإنجاز، وتحويل أهداف الحكومة إلى واقع معاش. الأمر عينه ينطبق على قطاعَيْ المطارات والموانئ، اللذين يمكن أن يحقِّقا دخلاً استثنائيًّا للحكومة، ويُسهما في تحقيق أهداف أخرى موازية، كهدف رفع عدد المعتمرين. وعلى علاقة بالسياحة، فتجهيز البنى التحتية للوجهات السياحية، واستكمال خدماتها، سيغيران من وجهها السياحي والتنموي، وسيعطيان الحكومة كسبًا معنويًّا كبيرًا، تحتاج إليه في مواجهتها المشككين في قدرتها على تحقيق النجاح.
يرتبط الجانب الثاني بالكفاءات السعودية المهاجرة العاملة في مؤسسات عالمية، والمشاركة في أعرق الجامعات. سعوديون وسعوديات أكفاء في تخصصاتهم باتوا يترأسون مؤسسات بحثية وأقسامًا جامعية وقطاعات صحية متطورة، ويسجلون أسماءهم بحروف الذهب. وجدوا البيئة المناسبة للإبداع؛ فانطلقوا بسرعة الصوت، وتبوَّءوا مناصب عُليا في دول الغرب والشرق المتقدم. هم الأمل - بعد الله - للمملكة في تحوُّلها الوطني، إضافة إلى الكفاءات المحلية، وهدفٌ استراتيجيٌّ إذا ما أرادت الحكومة ضمان الوقت ونوعية النتائج، والبُعد عن التجارب غير مأمونة المخاطر. يمكن لهؤلاء أن يشكِّلوا مجلسًا استشاريًّا، كلٌّ في تخصصه، بدلاً من الاستشارات الغربية المكلفة، وغير مأمونة النتائج. ويمكن لبعضهم أن يكونوا رؤساء تنفيذيين لبعض البرامج المهمة المرتبطة في تخصصاتهم. من يمتلك الوطنية والثقافة المجتمعية المزدوجة والخبرة العلمية والعملية والثقافة التطويرية قادر على إعطاء الرأي المحايد والشفاف، والمساهمة الفاعلة في تحقيق أهداف الرؤية من خلال التخطيط الاستراتيجي والقياس والتطوير ومعالجة الانحرافات وطرح البدائل والاقتراحات، عوضًا عن ربط مركز التطوير الوطني بمراكز البحث العالمية التي ينتمون إليها.
بعض أولئك المبدعين السعوديين وجدوا صدًّا منظمًا من بعض الجامعات والوزارات والمستشفيات، وحُرموا فرصة خدمة وطنهم، لأسباب تنافسية صرفة. لعل الله أراد بهم وبالوطن خيرًا أن مكّنهم من تحقيق نجاحات عالمية مشهودة، واكتساب خبرات علمية وعملية استثنائية، وتمرُّس يساعدهم لاحقًا على خدمة وطنهم وشعبهم الذي يفخر بكل إنجاز يحققونه على مستوى العالم.
مثل هؤلاء النابغين والمتميزين في تخصصاتهم، ومَن شهد لهم الغرب والشرق، لا يحتاجون إلى معادلة شهاداتهم أو تقييم مهاراتهم، بل يحتاجون إلى دعوة من سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإشراكهم في «رؤية 2030» والاعتماد عليهم في المراكز القيادية، والاستشارية، وبرامج التحول التي تحتاج إلى الكفاءات الوطنية المخلصة والقادرة على تحقيق أهداف المملكة الطموحة.